وجه البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك طائفة الروم الملكيين الكاثوليك السابق نداءً جاء فيه:
"سلام القدس.. سلام العالم!
بهذه العبارة أُصدِّرُ ندائي الإنساني والوجداني والديني والروحي، لأجل سلام القدس.
أُطلقُ هذا النداء بمناسبة عيد القيامة والفصح المجيد وصوم رمضان، وقرب عيد الفطر السعيد، أعيادٌ ومناسباتٌ تجمع المسيحيين والمسلمين على قِيَم الايمان المقدّس. وتتوجّه أبصارنا جميعًا إلى القدس، مدينة القيامة، ومدينة الإسراء والمعراج، وإلى كنيسة القيامة والأقصى المبارك، ونلتقي حول هذه الأماكن المقدّسة، في يوم القدس العالمي! ومن خلاله نلتقي بإخوتنا الفلسطينيين، ونُشْعِرهم أننا بقربهم، لا سيما في الظروف المأسوية الدموية اليومية، التي تواجههم في كلِّ شبر من فلسطين الحبيبة.
أُصدر هذا النداء كبطريرك متقاعد، كنتُ طيلة حياتي كاهنًا في جنوب لبنان أتحاور مع جميع الطوائف، ثم مطرانًا في القدس والأرض المقدّسة على مدى ستٍ وعشرين سنة، في خضمّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقُدْتُ المقاومين في مسيرات الحرية والكرامة والشهادة... وكبطريرك عشتُ ويلات الحرب على سورية، كما عايشت قبل ذلك ويلات الحرب الأهلية في لبنان...
وفي كل هذه المراحل خدمتُ فيها الإنسان كل إنسان! وأحببتُ الإنسان كل إنسان! وكنت دائمًا وخصوصًا رسول السلام في الأرض المقدّسة وفي كل مكان وإلى كلِّ إنسان!
وفي كل هذه الظروف، كنتُ أحاول أن أسير على خطوات رُسل السلام، لا سيما من كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، ولا سيما من خلال رعاتها الذين كانوا الخدّام الأمناء والمحامين الميامين عن القضية الفلسطينية.
وأخصّ بالذكر هنا المطران غريغوريوس حجار مطران الجليل، والمطران جاورجيوس حكيم مطران الجليل لاحقاً البطريرك مكسيموس الخامس (حكيم)، المطران يوسف ريّا مطران الجليل والمطران مكسيموس سلوم مطران الجليل والمطران جبرائيل أبو سعدى النائب البطريركي في القدس ۱۹٤۸ - ۱۹٦٥ على مدى ٢٧ سنة، والمطران إيلاريون كبوجي ( 1965- 1974) حيث اعتقل وسُجن ونُفي.
استلمتُ هذه الرسالة الفلسطينية من أسلافي الكرام، وخدمتُ كنائب بطريركي في القدس على مدى 26 سنة. وخدمتُ قضايا العدل والسلام، ورافقت أبنائي الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين ملتزمًا قضاياهم من خلال مواقفي وخطاباتي وتصريحاتي وزياراتي للمساجين ولقائي مع أهالي الشهداء وزياراتي لذويهم! ومن خلال المؤتمرات المحلّية والعالمية محليا وعالميا حول قضية شعبنا العادلة!
وردت بعض التصريحات في مسيرات الانتفاضة الفلسطينية، وشهداء الأقصى ومسيرة شهداء بيت ساحور والمخيّمات والقرى الفلسطينية.
أكتفي بمقطعين من خطاباتي ومواقفي في ظروف مختلفة، وردت في كتابين:
- مقدسيّات: كلمات، عظات، مقالات، رسائل إصدار 2020
- هوية طائفة الروم الملكيين الكاثوليك إصدار عام 2022.
مقتطفات من كلمة في حفلة تأبين شهداء الأقصى الشريف (كتاب الهوية ص 441 -443 )
إن قضيتنا الفلسطينية تستند على ارضنا وترابنا ومقدساتنا وتراثنا وحضورنا منذ آلاف السنين، وهي تستند ايضا وخاصة على أسمى القيم الدينية والانسانية. كوننا خليفة الله على الارض، ومخلوقين على صورة الله ومثاله. ودم شهدائنا ثمين لانه دم الانسان! وحقوقنا مقدسة لانها حقوق الانسان، وكرامتنا مقدسة لأنها كرامة الانسان، وحرماتنا مقدسة لانها حرمات الانسان.
ولذا فاننا لا نستجدي حقوقنا لا من دول ولا من عصبة أمم ولا مجلس الأمن الدولي، ولا الأمم المتحدة، ولا من المجموعة الاوروبية، ولا من المجلس الأوروبي للأمن والتعاون، ولا من القمم العربية، مع احترامنا وتقديرنا لما تقوم به هذه المؤسسات، بل اننا نذكِّرها ونذِّكّر كل انسان، وكل الشعوب، إننا بشر وشعب وقوم، مثل باقي البشر وباقي الناس وباقي الشعوب وباقي الاقوام. و نريد من جميع الناس ان ينظروا الينا برؤية واحدة. إننا بشر! لسنا حروفاً كتبت بماء، ولكننا حروف كتبت بدماء!
اننا نذكّْرهم بأن هذا هو الأساس المتين لمطالبتنا بحقوقنا وكرامتنا وعلمنا ودولتنا واستقلالنا وسيادتنا المستمدة كلها من انسانيتنا: من انساننا الفلسطيني ودمنا الفلسطيني ولحمنا الفلسطيني وبشرتنا الفلسطينية وصورتنا الفلسطينية التي هي على صورة الله ومثاله جل وتعالى!
وأحب أن أذكر كلمة قلتها في إذاعة تلفزيونية في جنيف يـوم الخامس عشر من تشرين الثاني ١٩٨٨، يوم إعلان الدولة الفلسطينية، قلت: اليوم يولد الطفل الفلسطيني الجديد والقديم الايام! فنأمل من دول العالم أن تحتضنه وتحبه وترحب به، كما ترحب بكل اطفال العالم! واذا لم تحتضنه ونبذته فإنه سينمو في ظروف تدفعه إلى أن يقض مضجع العالم الغافي والنائم على حقوق الشعوب وكرامتها!
إننا نريد أن تكون إنتفاضة شعبنا الفلسطيني، ونريد أن يكون دم شهدائنا وعذابات ومعاناة شعبنا، صرخةً في ضمير هذا العالم الذي دوخته رائحة البترول.
وهذه مقاطع من خطاب لي بعنوان القدس ليست سلعة! وفلسطين ليست سلعة! (كتاب الهوية ص. 445 – 447).
اليوم أوجّه هذا النداء الى العرب، ملوكاً وامراء ورؤساء وحكّام ورجال دولة وأعمال... قفوا صفاً واحداّ في وجه هذه الصفقة التي ستجلب الويلات ومزيدا من الحروب والخلافات في عالمنا العربي.
وأوجّه النداء نفسه إلى حكام العالم بأسره لا سيما الولايات المتحدة الاميريكية وروسيا وأوروبا الغربية والشرقية، قفوا صفاً واحداً في وجه صفقة القرن. وضُمّوا جهودكم لأجل الحل الوحيد المشرّف الإنساني، ألا وهو دولتان متساويتان في الحقوق والواجبات. وسعي مشترك محلياَ وفي العالم في الشرق والغرب، لأجل سلام عادل شامل ثابت، عربي، فلسطيني، إسرائيلي، مسيحي إسلامي، محلي وعالمي.
وهكذا تكون الارض المقدسة التي هي مهد الديانات الإبراهمية اليهودية والمسيحية والإسلامية، وانطلاق الايمان المقدس إلى العالم بأسره، وبشارة السلام، وفيها أنشد ملائكة بيت ساحور وبيت لحم نشيد الميلاد، نشيد السلام، "المجد لله في العلى، وعلى الارض السلام". هذه الارض تكون أيضاً اليوم منطلق السلام العالمي!
وأحبُّ أن أشير إلى موقف الكنيسة، لا سيما الكاثوليكية من القضية الفلسطينية والسلام في المنطقة العربية.
تجتاح بلداننا العربية عموما عدد من الأوبئة والصراعات. منها: الصراع الاسرائيلي الفلسطيني العربي! وباء الداعشية! وباء التطرف! وباء العنف! وباء السباق الى التسلح من قبل الدول والأحزاب! وباء سعر الدولار المتصاعد! وباء الجوع! وباء الخوف! وباء الهجرة! وباء الاجرام! وباء السرقات! وباء صفقة القرن! وباء قانون "قيصر"! وباء انقسامات الصف العربي! وباء التطبيع مع اسرائيل بدون الاهتمام بالقضية الفلسطينية! ......
أمام هذه الأوبئة، نسمع صوت الكنيسة، تدعو إلى الدواء الأكثر نجاعة أمام هذه الأوبئة، ولا سيما الصراع الاسرائيلي - العربي - الفلسطيني الذي يعنف المنطقة وهو سبب الحروب والصراعات في المنطقة منذ العام ١٩٤٧. هذا الدواء هو السلام الذي نجد له تحديداً بأنه مجموعة الخيرات التي تُسهم في بناء حضارة إنسانية حقيقية. ويقول النبي أشعيا يا الله أعطنا السلام فقد أعطيتنا كل شيء" (أشعيا ٢٦).
هذا هو موقف الكنيسة عموماً، ولاسيما كنيسة ودولة الفاتيكان. وقد عبّر عن هذا الموقف نيافة الكاردينال بارولين امين سر دولة الفاتيكان. وهذا ما أطلقه المكتب الإعلامي للفاتيكان يوم الاربعاء الأول من تموز ۲۰۲۰ وجاء في هذا الإعلان ما يلي: " التقى نيافة الكردينال بارولين سفير الولايات المتحدة الأميريكية وسفير دولة إسرائيل لدى الفاتيكان. وأعرب الكردينال عن اعتراضه على أية أعمال أحادية، من شأنها أن تزيد العقبات أمام مساعي تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين ويُعقِّد الوضع الدقيق في الشرق الأوسط.
هذا وقد كان موقف الفاتيكان والبابا فرنسيس واضحاً وحازماً وقاسياً تجاه العمل الاحادي من قبل اسرائيل والرئيس ترامب بالنسبة لضم الجولان إلى إسرائيل، وبالنسبة لاعلان القدس عاصمة إسرائيل، وبالنسبة لصفقة القرن، وبالنسبة لضم أراضي الأغوار إلى إسرائيل....
لقد رفض الفاتيكان كل هذه التجاوزات والأعمال الأحادية الجانب، بطريقة أوضح من كل مواقف الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والعالم..
إن صوت الكنيسة والفاتيكان بالذات بالنسبة للقضية الفلسطينية والسعي لأجل تحقيق السلام في المنطقة هو الصوت الذي نحتاج أن نسمعه اليوم ونشكر الكنائس على مواقفها الواضحة.
إن موقف الكنيسة دعوة الى السلام بدل : التطبيع والعداء والصواريخ والتسلح والكراهية والحقد والبغضاء....
إقتراح لوضع وثيقة
مجمعية كاثوليكية
حول القضية الفلسطينية
في نهاية هذا النداء، أحبُّ أن أُضيف اقتراحًا لوضع وثيقة كاثوليكية وإذا أمكن مسيحية شاملة حول القضية الفلسطينية. وهذا هو الاقتراح:
تستعدّ الكنيسة الكاثوليكية بدعوةٍ من قداسة البابا فرنسيس لعقد مجلس الاساقفة في تشرين الأول القادم 2023.
وتتوالى الاجتماعات لتهيئة هذا السينودس في العالم أجمع.
إقتراحي يشمل المراحل التالية:
1 – وضع الخطوط العريضة لمحتوى هذه الوثيقة المقترحة على مستوى إجتماعات المجالس الاسقفية في كل بلد أو قارة. (مثلا أوروبا، أميركا، أستراليا والشرق الأوسط )
2 – تُجمع الاقتراحات التي تَصدر عن هذه الاجتماعات، وتُرسل إلى أمانة سر سينودس الاساقفة في روما، حول مسيرة الكنيسة السينودوسية.
3 – أمانة سر السينودس تدرس هذه الوثائق الواردة إليها. ومن خلالها تُهيىئ وثيقة شاملة حول القضية الفلسطينية، تُرفع إلى السنودس.
4 – دراسة هذه الوثيقة في جلسات سينودس الاساقفة في تشرين الأول 2023.
وأخيرًا يُصدر السينودس باسم الكنيسة جمعاء، وثيقة حول القضية الفلسطينية.
وبما أنه يُدعى إلى إجتماعات سينودس الاساقفة في تشرين الاول القادم، ممثلون وضيوف من باقي الكنائس الارثوذكسية والبروتستانت والانكليكان... فتكون الوثيقة أيضَا صادرة بَاسمهم.
وهكذا نحصل على وثيقة كنسيّة تاريخية شاملة عالمية حول القضية الفلسطينية. إن حلًها وإحلال السلام العادل والشامل والدائم هو المفتاح لسلام منطقة الشرق الأوسط ومفتاح سلام العالم!
ختام
وهنا أرفع صوتي متوجّها إلى جميع ابناء الديار المقدسة، من كل قومية ودين واتجاه سياسي وقومي، ونرفع صوتنا بالصلاة لأجل كل شهيد وقتيل وجريح وسجين و معتقل ومقعد ومتألم، رافعين صوتنا بالصلاة لاجل العدل والسلام والمصالحة قائلين لماذا الحرب يا إخوان ؟ لماذا العنف ؟ لماذا الكراهية ؟ لماذا البندقية لماذا الحجر ؟
فلنرمِ بكل هذا جانباً، ولنجمع حجارة الوطن، وتراب الوطن، وطاقات الوطن، طاقات الأرض المقدسة، بقداسة كتبها وانبيائها وأوليائها، ولنبنِ بها كلها وكلنا، حضارة المحبة والسلام، في أرض المحبة والسلام".