الثلاثاء 25 نيسان 2023 09:44 ص |
طائر المينا يغزو الجنوب.. مخرّب يهدّد الطيور والتنوع البيئي |
* جنوبيات يعيش دوار كفررمان (النبطية) عصر كلّ يوم، أجواءً موسيقيّة صاخبة ولافتة، أبطالها طيور ذكيّة صدّاحة، ذات منقار أصفر، باتت منذ نحو سنتين تحتلّ سماء المنطقة وسطوح الأبنية والبيوت وأعمدة الكهرباء وأسلاكها، ناهيك عن بعض الشجر المرتفع والملتمّ، على نحو أشجار النخيل. يُعرفُ فرد هذه الطيور بطائر المينة، أو المينا (المَيْنة الشائعة: الأسم العلمي Acridotheres tristis بالإنكليزية Common Myna) وهو ليس طيراً أصيلاً، بل يُعتبر طائراً دخيلاً غازياً وبات يظهر في العديد من الأمكنة والمدن الجنوبيّة في السنوات الخمس الأخيرة، في النبطية وصيدا وصور وغيرها، بعد انتشاره منذ سنوات خلَت في العديد من المدن اللبنانية الأخرى كطرابلس وبيروت وإهدن، بيدَ أنّه يتكاثر بسرعة فائقة، وبات يشكّل خطراً مُحدقاً على التنوّع البيئي والحيويّ في لبنان، إذ إنّه يتغذّى على فراخ الطيور وبيوضها بعدما ينتهك أعشاشها، فضلاً عن مروحة واسعة من الأغذية الأخرى والحشرات.
باتت هذه الطيور الذكية والمتكلّمة موضع نقاش دائم بين الناشطين البيئيين وجمعيات حماية الطيور على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لأنها طيور مزاحمة ومشاكسة وصارت تشكل خطراً فعليّاً على الطيور المواطنة والمقيمة، لأنّها تصنّف من الطيور الغازية في لبنان، ولم يُسجّل سابقاً أن عاشت هذه الطيور طويلاً في بلادنا من قبل.
تخريب المحاصيل الزراعية في فلسطين تعتبر طيور المينا الشائعة او “الهنديّة”، دخيلة وغير محبّبة على الاطلاق إذ أنّها متّهمة بتخريب المحاصيل الزراعيّة ومواسم الفاكهة والحبوب، ولكونها كذلك، فهي قادرة على ازاحة الطيور المحلية، وهو الخطر الأبرز. ومن المعلوم أنّ الطائر الدوريّ وبرغم ذكائه واستطاعته بحذاقة أن يتعايش مع البيئة الفلسطينية وكذلك اللبنانية، وانتشاره بشكل واسع جداً، فقد بدأت أعداد هذه الطيور تتناقص وتتباعد عن السكان المحلّيين في البلدات والمدن، بسبب تعرّض أعشاشه وبيوضه وفراخه لفتك طائر المينا.
وحول كيفية الحد من تفاقم مخاطر طيور المينا على التنوّع البيئي في المناطق الجنوبيّة، يقول الدكتور يونس: “على الرغم من أنّني من حيث المبدأ ضدّ الصيد، خصوصاً في ظل وضعنا البيئيّ المتدهور، والقتل العبثي للطيور الذي يحدث طوال العام، من دون التقيد بفترات السماح والأنواع المتاحة أو المسموح اصطيادها، فثمة طرق عديدة للحدّ من انتشار طائر المينا ولجم تكاثره المُخيف، ويعود التقدير إلى تقييم الحالة، قد يكون من ضمنها أذونات بصيد أعداد منها لعدم توافر وسائل بديلة، أو اصطيادها حيّة بطرق ما وتصديرها أو حبسها ضمن أقفاص، لكن هذا يرتبط بتقدير الحالة في كلّ منطقة على حدة، خصوصاً في ظلّ محدوديّة نشاط مفترساتها في أماكن تجمّعها ونشاطها في المحيط الحضريّ.
تحذير لوزارة البيئة
عشرات طيور المينا على أسلاك الكهرباء في دوار كفررمان قبل الغروب من النبطية كتب علي حرب: “لقد قضى طائر المينا على طيور اليمام، ومن الملاحظ تراجع أعدادها ما ينذر بانقراضها. منذ دخول هذا الطائر إلى مدينة النبطية كانت أعداد اليمام بالمئات، أما الآن فقد أصبح قليلاً جدّاً”.
تراجع أعداد طيور الدوري والبلابل ثمة احتفال يومي متكرر يشهده سكان “الدوّار” يتمثل بانتشار العشرات من طيور المينا قبل الغروب على أسلاك الكهرباء أو سطوح الأبنية ثمّ اجتماعهم في شجرة ما أو شجرتين وسط عزف صوتي صادح يشارك فيه المئات، ويتنوع بين الموسيقي والتغريد والصراخ، ولا ينتهي مع مغيب الشمس وحلول الظلام. وبرغم جمالية صوته وتكيّفه مع الأجواء المحيطة، يلاحظ المهتمون في الزراعة تراجع انعقاد الزهر في موسمه وتبدل أحوال النباتات والأرض بسبب غياب الطيور التي كانت تقيم بشكل دائم في البلدات والقرى منذ عشرات السنين وتشكّل تكاملاً بيئياً مع غيرها من الفراشات والنحل.
غذاؤه وتكاثره
يلاحظ المهتمون في الزراعة تراجع انعقاد الزهر في موسمه وتبدل أحوال النباتات والأرض بسبب غياب الطيور التي كانت تقيم بشكل دائم في البلدات والقرى منذ عشرات السنين وتشكّل تكاملاً بيئياً مع غيرها من الفراشات والنحل. يتساعد الأبوان في بناء العش من الأعشاب الجافة والأغصان والأوراق ومخلفات الإنسان، ويحدث في أحيان كثيرة أن يحتل زوجان من المينا عش زوجين آخرين، الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع معارك عنيفة، يصبح العش بعدها مُلكاً للزوج المنتصر. تضع الأنثى ما بين أربع إلى ستّ بيضات ذات لون أزرق سماوي داخل العش، يحتضنها الوالدان لمدة تتراوح بين 13 إلى 14 يوماً، تفقس بعدها ويتولى الوالدان رعاية الصغار وإطعامها، وقد بيَّنت الدراسات أن الوالدين يزورا الفراخ في العش بمعدل 22 زيارة في الساعة الواحدة لإطعامها. وتصل الفراخ إلى سن الطيران بعد 18-25 يوماً تقريباً، ولكنها تبقى مع والديها لشهر آخر تتعلم منهما مهارات العيش. تشير التقارير من فلسطين التي يرجّح قدوم طيور المينا منها إلى جنوب لبنان، إلى أن إحضار المينا إليها بدأ منذ ثلاثينيّات القرن الماضي مع المهاجرين اليهود، داخل أقفاص للتربية في البيوت بسبب صوته الجميل وقدرته على تقليد الأصوات، ولكن بسبب سرعته في التكاثر، لم تعد الأقفاص البيتيّة تكفي الأعداد الضخمة التي أخذت تتضاعف بسرعة، لذا أخذوا يرسلون الأعداد الفائضة منه إلى حديقة “سفاري رمات غان” التي أنشئت على أنقاض قرية الخيارية الفلسطينية، ومن هناك تسرب إلى البيئة وأخذ يعشش ويتكاثر، وقد لوحظت بدايات وجوده في مدينة قلقيلية الواقعة على الخط الأخضر، ومنها تسرب إلى بقية مناطق الضفة الغربية. المصدر :جنوبيات |