ينشأ الفرد في المجتمع ويتفاعل مع محيطه الاجتماعي، حيث تحكمه العلاقات الاجتماعية فهذه العلاقات تساهم في تكوين هويته وتحديد مسار حياته، لكن الى أي مدى يتداخل في هذه العلاقات كل من إتجاهات الخير والشر؟ وهل الفرد بات يتفاعل بحذر مع أقرانه ؟ الى أين وصلنا في زماننا هذا الى التفاعل الإيجابي أم الى التفاعل السلبي؟
أسئلة نحاول التعمق في الإجابة عليها علّها تنجلي الرؤية التي تساعدنا في تكوين صورة واضحة عن التطورات التي باتت تحكم مجتمعاتنا الإنسانية، فالتفاعل بين الأفراد يفرض وجود مستمع ومتحدث حيث يساعد الإستماع والإنصات على نجاح هذه المحاورة، لكن ما الذي يحدد الفهم لما يدور في ذهن الآخر وما هي الصور الذهنية والفائدة التي تتعاقب اثر المحاورة الناجحة؟
يعقب التحاور مع الآخر إما شعوراً بالرضى حيث تُفهم الرسائل الضمنية وإما يعقبه سخطاً حيث لا تُفهم هذه الرسائل الضمنية ، في كلتا الحالتين المحاور يحاول جاهداً في توصيل الأفكار للآخر وتوصيل المقصد من الحديث ، هكذا ينكشف لنا أثناء هذه المحاورة حقيقة الآخر ومدى رؤيته ونظرته ومفهومه عن الحياة ، أي تكشف لنا نضجه الإنفعالي وملاءته العاطفيه وتوازنه النفسي وإتزانه وحكمته في الأمور، نهاية المحادثة إما ان يتم شحن الطاقة الإيجابية وإما ان تُسلب هذه الطاقة ذلك يتوقف على مدى الخواء الروحي او الغنى الروحي للمحاور، فالخواء الروحي والتركيز على الذات تجعل المحادثة فارغة من مضمونها لا تفتح لنا أي أفق او إتجاهات نحو زهوة الحياة، لا وبل تجعلنا نزبل ونتلاشى، أما الغنى الروحي فهي بمثابة الشحن للطاقة والقوة الإندفاعية للحياة بكل إيجابية وتفاؤل ، هذا التعرّي النفسي ونزع الأقنعة أمام الآخر لا ندركها في لحظتها انما تتسلل الى ذواتنا التي إمّا أن تكون مستبصرة لما يجري من حولها وإما أن تكون غافلة وتجهل الحقائق، فالطاقة الإيجابية معدية ولا يمكن مجالسة الإيجابيين إلا ولنا نصيب نافذ من هذه الطاقة الفعالة والمنتجة في حياتنا، اما الطاقة السلبية التي سرعان ما تنعكس على توجهاتنا اذا لم نتدارك ذلك، فالمعرفة العلمية والتزود بالعلم يتيح للفرد الإنتقاء من هذه العلاقات الإنسانية، وتدفعه نحو الإبتعاد ووضع حدود لما فيه خير لتصوراته ولحياته.
مما يبدو لنا ، ان الشر لا بدّ من تواجده في المجتمع البشري الذي يدل على حقيقة بعض البشر، وما يضمرون داخل نفوسهم من حقد وغل وحسد ومكر وخداع وتلاعب وغيرها، هذه النفوس جبلت على إيذاء الآخرين وعلى تحقيق مآربهم ومخططاتهم الدونية، وباعتقاداتهم انهم لا يؤذون لا وبل انهم هم الضحايا ،لذلك الإنكفاء والإبتعاد عنهم مكسب وغنيمة يحصل عليها الإنسان في حياته متى ما انكشفت وتعرّت حقيقتهم النكرة.
أخيرا ، ان الغنى الحقيقي هو الغنى المعرفي الذي يساعدنا على ضبط التحكم العاطفي وانتقاء من هو الصديق ومن هو العدو، وللوصول الى هذه المرحلة لا بدّ من البحث الدؤوب عن الخصال الحميدة التي يتميز بها الآخر، على الرغم من إختباء الأشخاص المؤذيين وتجمّلهم بما ليسوا هم عليه، لكن الحذق من يفهم حقيقتهم وينبذهم من حياته ويجعلهم في عداد الموتى، فكم من اشخاص ماتوا في نظرنا وهم لا يزالون أحياء، وكم من اشخاص لا تزال ذكراهم حية وأقوالهم باقية ما بقيت الدهر، فالروح الجميلة يفوح عبقها لينتشر الى انحاء العالم بينما الروح الخبيثة تنتهي وتريح محيطها من آثارها المدمرة.