لا مناص للحكومة اللبنانية الجديدة من مواجهة ملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة. الحكومة "المُحتفى" بها ستواجِه، حُكماً، مأزقاً حقيقياً يتعلّق بكيفية معالجة الملف الذي أمسكه وزير الزراعة أكرم شهيب طوال ستة عشر شهراً. خرج الوزير شهيّب من الحكومة وخلّف وراءه خطةً "مبتورة" لا تستند الى عمل مؤسساتي مستمر.
من جهة، لا تزال عشرات البلدات والقرى في قضاءي الشوف وعاليه تعاني من أزمة تصريف نفاياتها نتيجة استثنائها من الخطة المُقرّة في آذار الماضي. ومن جهة أخرى، يبحث القضاء حالياً بشكل جديّ، في مسألة وجوب إقفال مطمرَي برج حمّود والكوستا برافا نتيجة الدعاوى القضائية التي رفعها بعض الناشطين على خلفية المخاطر المُحدقة. ففي الوقت الذي يبحث فيه قضاء العجلة في المتن في مسألة الدعوى المتعلّقة بخطر ردم النفايات السامة في البحر، والناجمة عن جبل النفايات القديم في برج حمود، يدرس قضاء العجلة في بعبدا قضية وجوب إقفال مطمر الكوستا برافا نتيجة زيادة حركة نشاط الطيور على مدارج مطار رفيق الحريري الدولي، مع ما يُشكله من تهديد جدي لحركة الطيران المدني.
ومهما تكن توصيات القضاء، سواء أقرّت إقفال المطمرين أو إقفال أحدهما، فإن الخطة الناقصة أصلاً ستكون غير قابلة للتطبيق. وبالتالي، سيغدو خلق البديل أمراً ضرورياً، وستكون الحكومة أمام استحقاق، هو الأصعب.
يبحث القضاء
حالياً في مسألة إقفال المطمرين
ولعلّ ما يُعزّز صعوبة الاستحقاق هو غياب الهيكلية المؤسساتية التي بُنيت على أساسها الخطة. في هذا الصدد، يذكر تقرير تقدّم العمل المعدّ من قبل "مجلس الإنماء والإعمار"، الصادر في تشرين الأول الماضي، أن التشريعات المتعلّقة بإدارة النفايات المنزلية الصلبة في لبنان "اتسمت بالسطحية والتناقض وعدم الوضوح، وخصوصاً في ما يتعلّق بتوزيع المسؤوليات والمهمات بين الإدارات والوزارات المعنية".
هذه المسؤوليات بقيت محصورة طوال أكثر من سنة بشخص الوزير شهيب، الذي كُلف مرتين بإدارة الملف. مرة، في أواخر آب من العام 2015، عندما أعلن وزير البيئة السابق محمد المشنوق انسحابه من اللجنة الوزارية المكلفة بمعالجة أزمة النفايات، وذلك على خلفية الاحتجاجات المطلبية، داعياً رئيس الحكومة تمام سلام الى تكليف وزير آخر في هذا الملف. وقتها، تم تكليف شهيب بترؤس لجنة من الخبراء وأصحاب الاختصاص، تتولى مهمة النظر في ملف النفايات واقتراح مخارج وحلول فورية للأزمة، على أن تبدأ هذه اللجنة اجتماعاتها المفتوحة وترفع نتائج عملها الى رئيس الحكومة في أسرع وقت. بعدها "صاغ" شهيب الكثير من مسودات الحلول، الى أن أفضت اقتراحاته الى إقرار الخطة الحالية.
ومرّة أخرى جرى تكليف شهيب، في 27 تموز الماضي، عندما سُحبت مهمة مراقبة تنفيذ الخطة ومتابعة آلياتها من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وفق ما كان ينص القرار الوزاري المتعلق بإقرار الخطة، وعيّن مجلس الوزراء الوزير شهيب رئيساً للجنة مراقبة آليات ومراحل تنفيذ الخطة.
الوزير شهيب الذي "حاك" الخطة لم يعد موجوداً في الحكومة الجديدة، وفعلياً ليس هناك هيكلية واضحة تُحدّد وتُقرر كيفية الاستمرار في الخطة. فهل ستضع الحكومة الجديدة الملف لدى وزير البيئة الجديد؟ وهل سيقبل الأخير في المُضيّ بـ"تركة" الوزير شهيب بشكلها المبتور؟ وماذا عن تداعيات الخطة وآثارها؟ فإذا كان احتمال التغاضي عن دفن النفايات السامة في برج حمّود موجوداً، وبالتالي الإبقاء على مطمر برج حمود، فإن احتمال الإبقاء على مطمر الكوستا برافا يبدو ضعيفاً في ظلّ تفاقم مُشكلة ازدياد حركة الطيورالتي تتهدّد سلامة الطيران المدني.
في اتصال مع "الأخبار"، يقول وزير البيئة الحالي طارق الخطيب إن تسلّم شهيب لملف النفايات كان عبر قرار وزاري، "والمفروض أن يصدر مجلس الوزراء قراراً يتعلّق بتكليف الجهة التي ستتولى إدارة هذا الملف"، لافتاً الى ضرورة انتظار مراسم التسليم والتسلّم كي تتضح الأمور. ويُضيف الخطيب: "ليس من المفترض أن تتهرّب وزارة البيئة من مسؤوليتها".
في هذا الصدد، برز تصريح لوزير البيئة السابق محمد المشنوق لموقع greenArea.me يُشير خلاله الى أن وزارة البيئة "ظُلمت في هذا الملف"، لافتاً الى الخلافات السياسية والتجاذبات التي حالت دون تطبيق خطة متكاملة لإدارة النفايات المنزلية الصلبة في لبنان.