السبت 27 أيار 2023 09:06 ص |
بالنظام - لباس البحر شأنٌ عام |
* جنوبيات في فرنسا ثار قبل سنوات جدل كبير حول #لباس البحر على إثر قرارات اتخذتها بلديات في جنوب البلاد منعت بموجبها لباس البحر الكامل للنساء أي اللباس المشابه للبرقع والمسمى burkini. وعندما عُرضت القضية على مجلس شورى الدولة هناك، قضى الأخير بإبطال القرارات البلدية معتبرًا أن الأسباب التي استندت إليها لم تكن تبرّر قانونًا المنع الذي يخالف مبدأ المساواة في استعمال الملك العام وحرية الدخول إليه، ولم يأخذ القضاء الإداري الفرنسي بحجة البلدية المستمدة من قاعدة العلمانية التي تطبقها الجمهورية الفرنسية على سائر وجوه الحياة العامة والمرافق العامة، مرجّحًا بذلك الحريّة والمساواة. كان ذلك في قضية Villeneuve Loubet 2016. وبعد حسم الأمر قضائيًا انتهت القضية وشكلت حيثيات القرار القضائي مستندًا قانونيًا ومعيارًا علميًا للباحثين ولأصحاب القرار.
التوازن بين القِيَمِ المذكورة هو منهج التفكير والقرار في هذه الحالات، وقد أناطت القوانين النافذة هذا الأمر بالسلطات الإدارية المعنية. قانون البلديات يعطي رئيس السلطة التنفيذية فيها صلاحية "الاهتمام باستدراك أو منع ما من شأنه أن يمس الراحة والسلامة"، وبالمقابل صلاحية القرار في "كل ما يختص بالاداب والحشمة العمومية"، (المادة 77). ووفق قانون التنظيم الإداري "يتولى المحافظ حفظ النظام والأمن وصيانة الحرية الشخصية" (المادة 10). الأملاك العامة في القانون اللبناني هي تلك المُعدّة بحسب طبيعتها لاستعمال العموم، ينظمها قانون يعود إلى زمن الانتداب الفرنسي (قرار المفوض السامي رقم 144/1925) وتحكمه المبادئ نفسها التي يُطبقها الاجتهاد القضائي هناك، مع فوارق يمكن أن توجد بين المجتمعين اللبناني والفرنسي على صعيد مفاهيم الحشمة والآداب العامة. وقرار البلدية بمنع الولوج إلى #الشاطئ بلباس البحر هو قرار إداري يقبل الطعن به أمام مجلس شورى الدولة وللمتضررين منه وأصحاب الصفة والمصلحة للإدعاء، أن يتقدّموا بمراجعة قضائية في هذا الاتجاه. هذا هو التوجّه الطبيعي الذي من خلاله ينحصر الأمر في الإطار الحقوقي المؤسساتي وتُحسم الجدالات. لكن المسألة في لبنان أوسع من الأملاك العامة وتشمل الشأن العام برمتّه، الذي يعني كل نواحي الحياة والفضاء المشترك وإدارة الدولة، وكلّ هذه المسائل يختلط فيها الشأن العام بالشؤون الدينية وتتحوّل النقاشات المثارة إلى أزمات وطنيّة بفعل هذا التداخل. الحلّ لا يكون إلّا بالفصل بين النطاقين أو الشأنين، العام والديني الطوائفي، ليس فصلًا على طريقة العلمانية الغربية التي تقمع الدين وتحاربه باسم العلمانية، بل على طريقة تُشبه لبنان الحضاري، تُحمى وتُصان فيها الجماعات المتنوعة وتؤخذ القيم التي تنادي بها لتُصاغ منها جميعًا قواعد للأخلاق العامة المشتركة، وتتولى الدولة المحايدة مهمة وضع القوانين التي تُعبّر عن هذه القِيَم وتفرض تطبيقها بقوة القانون. الشأن العام المنفصل عن الشأن الديني هو الحيّز الذي يجتمع فيه ويشترك اللبنانيون جميعًا على تنوعهم ويتفاعلون ويعيشون عيشًا مشتركًا حقيقيًا لا يسوده التكاذب حينًا والتناقض أو التصادم أحيانًا أخرى. المصدر :جنوبيات |