الخميس 1 حزيران 2023 18:51 م

على أبواب الصيف.. أزمة مياه وجودية تنتظرنا!


* جنوبيات

شح المياه وتسعيرها لم يعودا تفصيلاً. وسلامة مياه الشرب وعدم معالجة مياه الصرف أصبحا مسألة وجودية لا تقلّ تبعاتها خطورة عن أي من الكوارث التي شهدها لبنان بعد الانهيار. وعلى أبواب الصيف، فصل الشحّ والتلوث، يستدعي موضوع المياه خطة طوارئ وطنية واجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء واستنفار من بقي من مسؤولين يتحمّلون حدّاً أدنى من المسؤولية.

قبل الانهيار، أكثر من 80% من مياه الصرف المقدرة بنحو 350 مليون متر مكعب سنوياً لم تكن تخضع للمعالجة، تضاف إليها تلك الناجمة عن تدفق النازحين بما يتجاوز مليوناً ونصف مليون متر مكعب. اليوم، مع توقف كل محطات التكرير والمعالجة تقريباً عن العمل، بسبب عدم توافر الأموال لتغطية الكلفة التشغيلية والمحروقات والصيانة… فإن أكثر من 95% من مياه الصرف لم يعد يخضع للمعالجة، ما يتسبّب في تلويث خطير، لا علاج له، للمياه السطحية والجوفية، ما ينعكس تلوثاً في التربة، وبالتالي الغذاء.

تقدّر الكلفة الأولية لمعالجة مياه الصرف الصحي اليوم بأكثر من نصف مليار دولار سنوياً (دولار لكل متر مكعب)، كان يفترض أن تضاف إلى فاتورة تأمين المياه ليظهر حجم الأزمة المتستّر عليها. إذ لطالما غضّ من ادّعوا وضع استراتيجيات التنمية وإدارة المياه، النظر عن هذه القضية الخطيرة. ولم يربطوا، في هذه الاستراتيجيات والخطط، تسعير إدارة المياه العذبة بكلفة معالجة مياه الصرف، لسبب بسيط، هو عدم وجود استراتيجيات أساساً، ولخضوع مشاريع إدارة المياه العذبة ومياه الصرف لآراء ومقترحات المستثمرين في هذا القطاع وأصحاب المصالح والشركات المرتبطة بشبكات التمويل الدولية والشركات الكبرى ذات الصلة. إذ إن الشركات المستثمرة، وعملاءها داخل الإدارات الرسمية وخارجها، هي من كانت تضع الخطط والتشريعات، المسمّاة زوراً «استراتيجيات»، وتربطها بمشاريع استثمارية لإنشاء السدود السطحية، مع اقتراحات بزيادة فاتورة تأمين مياه الشرب وزيادة فاتورة معالجة مياه الصرف… من دون أن تأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي والدخل الفردي والأنظمة الإيكولوجية وضرورة وجود استراتيجية تحدّد الحقوق وتحترم النظم البيئية وتضع الأولويات وخطط التوفير والإرشاد في القطاعات كافة... فكانت النتيجة كوارث متراكمة بات مستحيلاً معالجتها، بعدما هدّدت الأمن الغذائي والحياتي وضربت سلامة الأنظمة الإيكولوجية للأجيال المقبلة. وهذه جريمة كبرى متمادية تفوق بخطورتها ضياع ودائع الناس وجنى أعمارهم في المصارف، وينبغي أن يُحاسب عليها كل من تولى سلطة، مباشرة أو غير مباشرة، في إدارة هذا القطاع الحيوي والحياتي في لبنان.

المصدر :جريدة الأخبار