السبت 3 حزيران 2023 08:55 ص |
"الإنسانيّة الحقّة ومكافحة الاستهزاء" |
* جنوبيات يُحكى في زمن المصاعب حيث الضمير الغائب أنّ أحد العمّال المكافحين ذهبَ إلى إحدى الصيدليّات بغية الحصول على دواء معيّن لمشكلة إصابته، فقال للصيدليّ: هل لديكَ مَرهمٌ للإسمنت؟
ضحكَ الصيدليُّ باستهزاء ممجوج ساخرًا من "العامل البسيط" وقالَ لهُ: نَعم لدينا، ولدينا مَرهمٌ للحَجَرِ وللحَديد.
هل تُريدُ نوعيّةً ممتازةً "مُستوردة"، أم نوعيّةً عاديّةً "مصنوعةً في البلاد"؟
قالَ الرجلُ: من بعد إذنك أعطني النوعيّةَ المُمتازةَ المُستوردَةَ.
وهنا ردَّ عليهِ مُحاسبُ الصيدليّةِ ساخرًا مجدّدًا: لكنّها غالية!
أقولُ لكَ ذلك مُقدّمًا كي لا تتفاجأ من السعر، ثمّ أخذته وصاحب الصيدليّة نوبة من الضحك.
وبطيبة الإنسان الخلوق رفعَ العاملُ يديهِ أمامَ الصيدليِّ وقالَ له: إنّي عاملٌ أشتغلُ في الإسمَنتِ وقد علِقَ الإسمنتُ في يديَّ فأصبحتا خَشنتَين ولا أستطيعُ أن ألمسَ وجهَ ابنتي الصغيرةِ كي أداعبَها وألاعبها، لذا أرجوكَ إذا كانتِ النوعيّةُ المُمتازةُ المُستوردةُ لديكَ تُزيلُ آثارَ الإسمنتِ منهما فأعطني إيّاها وسأتدبّرُ ثمنها.
عندها تجمّدتِ الضحكاتُ الساخرةُ للصيدليِّ ومُحاسبِه على شفَتيهما ورأى كلٌّ منهما نفسَهُ حقيرًا صغيرًا کأن لم یرَها من قبل أمامَ إنسانيّةِ ذاكَ العاملِ الطيّب.
وعليه، لا تغمِطوا الناس قدرهم، ولا تستضعفوهم لمجرّدِ شكلهم، أو ثيابهم التي يرتدونها، أو نوعيّة أعمالهم التي يعملون فيها بكدّ وتعب.
لقد ظهرَ الصيدليُّ ومحاسبه أشدَّ قسوةً من الإسمنتِ المُتحجِّرِ على يدي العاملِ البسيطِ، بينما كانَ عاملُ الإسمنتِ ألطفَ وأرقَّ من ضماداتِ الجراحِ التي يستعملها الصيدليُّ في صيدليَّته.
فالإنسانيّة بأبعادها الأخلاقيّة يتقهقهر أمامها أعتى الساخرين ولو كان ملكًا متوّجًا.
المصدر :جنوبيات |