ان الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس والإنفعالات يحركها الإحتياج العاطفي، والعقل هو المكبح الذي يساعده في تهذيب احتياجاته وبالتالي في تحكيم عاطفته الجياشة ، فما هو الحب الحقيقي بالنسبة للإنسان الكائن الحي؟ وكيف يقع في الحب الزائف؟ وما تأثير كل من الحب الحقيقي والحب الزائف على حياته التي تكون في جزء منها مجرد وهم يتحكم فيه ولا يجعله يهنأ او يتمتع بما يمتلكه؟

يولد الإنسان ويتكون في مخيلته ويرسم صورة النصف الآخر المكمل له ، يضع في هذه الصورة المتخيلة كل الإحتياجات العاطفية والروحية، فهو النصف الروحي والنفسي ونراه ينتظره بشوق ولهفة ويعتقد انه الخلاص والمساعد الأكبرللتخفيف من ألام الحياة المتعبة ، تتوقف حياته عليه ويعتقد انه سيكون له العون والأثر البارز في توجهاته ومآخذه الحياتية، ينسى الإعتماد على نفسه لتكون هي النفس الصالحة والكاملة ، النفس التي تقوى على مصاعب الحياة ، تلك التي لا ترحم من يقع في هفواتها ومن يقع في أخطاء خياراته الناتج عنها شعوراً بالذنب والخزي ، لذلك نرى الإنسان في بداية حياته يتحكم به الوهم والتخيلات الوهمية الهشة التي غالبا ما تحدد مساراته وتحدد له كل الخطوات.  

فالحب هو كتلة المشاعر التي تتكون إثر الميول للطرف الآخر، والآخر يكون له الدور البارز في إشعال كتلة المشاعرالدفينة ، فإذا كان انساناً حقيقيا تتوفر فيه كل الصفات الآهلة او الصفات الحميدة ، والتي تكون متواجدة في متخيلة الشخص الآخر، يكون حباً حقيقيا أي ثمة صدقاً حقيقياً في المشاعر لكلا الطرفين، وتكون علاقة صحيّة غير مريضة بالتعلق بالآخر بل علاقة شاعرية مرهفة الحس ، نبيلة، وقوة إيجابية مطلقة للطاقة الإيجابية الدافعة للحياة ، أي يجد كل طرف حاجته لهذه المحركات العاطفية والإبداعات الفكرية المنتجة اجتماعياً ، فما أن يجد كل واحد منهم الآخر فإنه يدخل في عالم البراءة الطاهرة من أدران الأرض الملوثة بسلوكيات مفروضة ، فعند ولادة الحب يولد معه الجمال الفكري والروحي والفطري والكوني والشرعي ، فهو لا يسعى لتحقيق مكسب او تعويض نقص ، انه حب يضفي على الحياة نورا وبهجة واستبصارا، والذي يكتمل ايضاً بحب الخالق عزّ وجلّ، انه التوافق الروحي الوئامي انه الشعور بالسكينة والسلام النفسي الأبدي السرمدي ، فالخالق يمنح الإنسان ما يستحقه اذا كان يتمتع هذا الإنسان بروح متصلة بالله حيث العلاقة متينة وقوية قبل العلاقة بنصفه الآخر المكمل له بكل المعايير المجتمعية .  

أخيرا ان البحث عن أنفسنا والتصالح معها من الموجبات قبل البحث عن الآخر للإقبال على الحياة بتفاؤل، وان نعمل على توثيق العلاقة مع الله الذي خلق الكون بإنسجام كامل ، فالعمل على الإعتماد على النفس ومحاولة ملئ الشغور والنقص الذاتي ضرورة حياتية وحاجة ملّحة لئلا نقع في دوامة الأمراض النفسية الهالكة التي لا تحمد عقباها في حياتنا، والتي يصعب على الإنسان معرفة الترياق الشافي منها.