الأربعاء 14 حزيران 2023 09:18 ص

"الملك والزوجات الأربع"!


* جنوبيات

يُحكى في خبايا الزمن وخفايا المحن أنّ ملكًا كان متزوّجًا من أربع نساء. 

وقد كان يحبّ الزوجة الرابعة حبًّا جنونيًّا، ويعمل كلّ ما في وسعه بغية إرضائها. 
أمّا الثالثة فكان يحبّها أيضًا ولكنّه يشعر في كوامن نفسه أنّها قد تتركه من أجل أي شخص آخر ينال إعجابها. 
بينما الثانية فكان يلجأ إليها عند الشدائد، وكانت تعطيه اهتمامها وتستمع إليه بإصغاء تام، وتتواجد إلى جانبه عندما يحسّ بضيق في صدره. 
أمّا الزوجة الأولى فكان يهملها ولا يرعاها، ولا يؤتيها حقّها كما يجب، مع أنّها كانت تحبّه كثيرًا وتخاف عليه، وكان لها الدور الأمثل في رفع شأنه ومكانته بين أترابه من الملوك والأمراء والرؤساء. 
وذات يوم مرض الملك مرضًا شديدًا وشعر بقرب الأجل. وأخذ يفكّر في حاله وأحواله وقال في نفسه: أنا الآن لديّ أربع زوجات، ولا أريد أن أذهب إلى القبر وحيدًا!
فسأل زوجته الرابعة قائلًا:
أحببتك أكثر من باقي زوجاتي، ولبّيت كلّ رغباتك وطلباتك، فهل ترضين أن تأتي معي لتؤنسيني في قبري؟!
فقالت على عجل: مستحيل أن أفعل! 
وانصرفت لتوّها بدون إبداء أي تعاطف مع زوجها الملك! 
فأحضر زوجته الثالثة وسألها قائلًا:
أحببتك طيلة حياتي فهل ترافقيني إلى قبري؟!
ردّت بسرعة فائقة: بالطبع لا! 
وأردفت قائلة: الحياة جميلة وعند موتك سأذهب وأتزوّج من غيرك! 
فما كان منه إلّا أن استدعى زوجته الثانية وسألها قائلًا: كنت ألجأ إليك عند الضيق، ولطالما ضحّيتِ من أجلي وساعدتني بغية إرضائي، فهلّا رافقتني في قبري؟!
أجابت: سامحني فإنّي لا أستطيع تلبية طلبك، ولكن أكثر ما أستطيع فعله هو أن أوصلك إلى قبرك! 
حزن الملك حزنًا شديدًا، وبكى بحرقة على جحود زوجاته الثلاث! 
وفجأة، وإذ بصوت يأتي من البعيد ويقول:
أنا أرافقك في قبرك، وسأكون معك أينما ذهبت! 
فنظر الملك ورأى زوجته الأولى (وهي في حالة يُرثى لها، هزيلة ومريضة بسبب إهمال زوجها لها). 
ناح الملك بشدّة، والدّموع تنهمر من عينيه، وندم ندمًا شديدًا على سوء معاملته لزوجته الأولى وقال:
كان ينبغي أن أعتني بك أكثر من الباقيات، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء، لكنتِ أنت أكثر من أهتمّ بها. 
ثمّ أردف قائلًا: "إنّ زوجاتي الرابعة والثالثة والثانية طالقات بدون رجعة. وأنت من سأموت وهي على ذمّتي وعصمة أمري". 
في الحقيقة، أحبابي الكرام، جميعنا لدينا أربع زوجات:
الرابعة هي الجسد: فمهما اعتنينا بأجسادنا وأشبعنا شهواتنا، فستتركنا الأجساد فورًا عند الموت! 
الثالثة هي الأموال والممتلكات: فعند موتنا ستتركنا أموالنا وممتلكاتنا وتذهب إلى الورثة. 
الثانية وهي الأهل والأصدقاء: فمهما بلغت تضحياتنا لهم وتضحياتهم لنا في حياتنا، فلن نتوقّع منهم أكثر من إيصالنا إلى القبر عند موتنا. 
أمّا الأولى فهي العمل الصالح:
ننشغل عن تغذيته والاعتناء به على حساب شهواتنا وأعمالنا وأهلنا وأصدقائنا، مع أنّ أعمالنا هي الوحيدة التى ستكون معنا. 
وفي ذلك يقول المولى عزّ وجلّ في محكم تنزيله: "فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره". صدق الله العظيم. 
"اللهمّ أحسن ختامنا واجعلنا من أهل الجنّة مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين والصالحين وحسن أولئك رفيقًا".

 

المصدر :جنوبيات