لم يعد مقنعاً، ولا مُبرّراً، ولا مسموحاً، استمرار الجرح النازف في مخيّم عين الحلوة، حيث تحكّم مجموعة "مأجورة"، أو تنفّذ "أجندات خارجية" أو تسعى لتوجيه "رسائل"، من خلال الاستمرار بخطف أمن المخيّم وجعله "صندوق بريد" يتعدّى ساحته إلى الساحة اللبنانية والإقليمية.
فبين الحين والآخر تنفّذ مجموعة من القتلة والمأجورين والمضلّلين، اغتيالات أو إلقاء قنابل، أو إطلاق نار، يستهدف أبرياء، أو حتى مَنْ تردّدت أسماؤهم في ملفات سابقة، وهو ما يطرح جملة من التساؤلات عن دوافع وأسباب وتوقيت هذا التفجير، الذي وُضِعَ - حتى الآن - في دائرة الفردي، و"الثارات".
ولكن التوقيت ليس بريئاً والاستهداف واضح، فهو يأتي بعد:
- ما شهدته حلب، والتي يُتوقّع أنْ تغيّر الكثير من المعادلات والمعطيات، ليس فقط في سوريا بل إلى خارجها.
- تداعيات "المؤتمر العام السابع لحركة فتح" الذي عُقِدَ في رام الله خلال شهر تشرين الثاني الماضي، وانتخب قيادة جديدة للحركة.
- قرب احتفالات حركة "فتح" بذكرى انطلاقتها الـ52، ومحاولة بث شائعات عن احتمال إلغاء الاحتفال المركزي الذي يُقام في مخيّم عين الحلوة، تحت ذريعة الخشية من الوضع الأمني، فيما تصر قيادة الحركة على إقامته، وهي دأبت على ذلك منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية.
- محاولة استدراج "عصبة الأنصار الإسلامية" إلى اشتباك تحت عنوان التصدّي لمجموعات خارجة عن القانون، لكن يجدون عندها أكثر من غطاء ومَنْ يطلق النار، وهو ما فوّتته العصبة في أكثر من ظرف.
إنّ ما يجري في المخيّم يُنذِر بأنّ المخطّط القديم - المتجدّد، يحرّكه الـ"مايسترو" بين الحين والآخر لتنفيذه، ومحاولات استدراج حركة "فتح" و"عصبة الأنصار" إلى الاقتتال.
وأيضاً حصر التركيز على الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، مع الحديث عن إمكانية فتحه برمّته مع انطلاق العهد الجديد.
وكذلك يجعل ما تم التوافق عليه من إيجاد خطط أمنية بديلة عن الجدار الذي يبنيه الجيش اللبناني في محيط مخيّم عين الحلوة، ويجعل ما تم التوصّل إليه من أفكار في مهب الريح.
وأصبح يُخشى أنْ ترتفع وتيرة الاغتيالات والاستهدافات لأسماء وازنة في فصائل وقوى ووجهاء في بلدات لأخذ المخيّم إلى العشائرية، والتي ستؤدي إلى إشكالات واقتتال عائلي، وهو الأمر الخطير.
ومردُّ ما يجري، إلى أنّه لم يتم ردع المسبّبين في الاشتباكات أو الاغتيالات أو توقيفهم حتى لدى "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" التي تمثّل جميع الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية في المخيّم، وتبقى ملفات الاغتيالات في الأدراج، كما الأقراص المدمجة، التي تلتقطها الكاميرات المنتشرة في شوارع وأزقة المخيّم، والتي تحدّد مواصفات المشتبه بهم، دون أنْ يتم التحقيق معهم بجدية، لاعتبارات متعدّدة، هذا على الرغم من أنّ جميع القوى الفلسطينية تعلن رفع الغطاء عن أي مخل بالأمن، لكن حين التنفيذ، يتغيّر الموضوع، ويجد أكثر من شخص أو طرف يحمي القاتل المأجور الذي يبرّر أفعاله - إذا ما اعترف - بأنّه من باب الثأر على قتل سابق، فيما يغيب عن بالهم مَنْ أجاز القتل وحتى الأخذ بالثأر دون أدلّة وبراهين موثقة وحجّة شرعية من القاضي العادل.
والأخطر من ذلك كله، هو كثافة إطلاق النيران وقذائف الـ"أر.بي.جي" بالغة الكلفة، والتيس تجد مَنْ يوفرها، لأنّها تحقّق مآربه، علماً بأنّ مطلقي النار يشكون ويئنون من عدم امتلاكهم للمال لقوت عيالهم، والذي يتم تأمينه للاقتتال وترويع الناس بدلاً من صرفه على مشاريع انتاجية بحاجة إليها المخيّم وأبنائه.
كذلك التركيز على إطلاق النار في الشارع الفوقاني للجهة الشمالية من المخيّم، وتحديداً في المربع بين الصفصاف، طيطبا، عكبرة، عرب الزبيد، بستان القدس والبركسات وكأنه بات مطلوباً أنْ تكون هذه المنطقة خالية من أهلها وسكانها الأصليين وتحويلها إلى ملاذ للمطلوبين والمجرمين، وهو ما يرفضه أبناء تلك المنطقة كما المخيّم.
وبأي شريعة يُطلِق المسلحون النار تحت عناوين وطنية أو إسلامية، والدين براء من أفعالهم، حيث واضطرت العديد من العائلات التي نزحت قسراً عن مساكنها في المخيّم إلى المبيت لدى الأقارب، وبعضهم أمضى ليلته في قاعة "مسجد الموصلي" - صيدا التي اكتظت بالنساء والأطفال، فيما لم تستوعب الرجال الذين بقوا خارجه في البرد القارص.
ألم يتعظ المسلحون من ترك أعراضهم وأبناء جلدتهم مروّعين ومشتتين مجدّداً؟!
تشييع وقتيل جديد
وأمس عاش المخيّم اشتباكات عنيفة وإطلاق قذائف وإلقاء قنابل وقنصاً متعمّداً، قطع أوصال المنطقة التي شهدت الاشتباكات، وأوقع قتيلاً و4 جرحى جُدُداً.
وجرى بعد عصر أمس تشييع جثمان سامر حميد المعروف بـ"سامر نجمة" ومحمود عبد الكريم صالح من مسجد الصفصاف إلى مقبرة صيدا الجديدة في سيروب، بدلاً من مقبرة درب السيم كما كان مقرّراً مسبقاً، خشية من استغلال بعض "المندسين" للأمر أثناء موكب التشييع، الذي كان من المفترض أن يمر في منطقة ينتشر فيها "موزاييك" متعدّد من القوى الموجودة في المخيّم.
وسُمِعَ خلال التشييع إطلاق نار كثيف مع إطلاق قذائف "أر.بي.جي"، قبل أنْ يتطوّر الأمر وتتسع دائرة الاشتباكات، التي وصلت إلى حي الطوارى للجهة الشمالية من المخيّم، فضلاً عن سقوط قذائف بالقرب من حسبة صيدا.
وأدّى إطلاق النار إلى سقوط قتيل يدعى عبدالله محمد الغار، سوري الجنسية من منطقة الحجر الأسود وإصابة 4 مدنيين بينهم امرأة، ليرتفع عدد القتلى إلى 4 والجرحى إلى 12 منذ أمس الأول.
وأعلنت "مستشفى الهمشري" في صيدا حالة الطوارئ القصوى جرّاء الاشتباكات.
ونتيجة للاشتباكات أيضاً توقّفت الدراسة في مدارس مخيّم عين الحلوة والجامعات والمدارس المحيطة بالمخيّم، فيما شهد المخيّم نزوحاً جديداً، واتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية في محيط المخيّم.
وقف إطلاق النار
* وإثر الاجتماع الذي انتهى مساء أمس في "مسجد النور" في المخيّم، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وأكد مسؤول "عصبة الأنصار الإسلامية" الشيخ أبو طارق السعدي أنّه "تم بفضل الله تعالى الاتفاق على وقف إطلاق النار وقد عمل الأخوة في العصبة مع كافة المخلصين من بلدة الصفصاف خاصة، وأبناء المخيّم عامة، لسحب كافة المسلّحين من طرف بلدة الصفصاف المصابة بشهدائها، ونجحوا في ذلك، وقد توجّه الأخوة في القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية والمبادرة الشعبية والشبابية للتأكد من وقف اطلاق النار".
وتوجّه وفدان واحد إلى منطقة الصفصاف وآخر إلى منطقة البركسات لتثبيت وقف إطلاق النار تمهيداً لانتشار القوة الأمنية. لكن كان يسمع بين الحين والآخر طلقات نارية.
* وأوضح قائد "الأمن الوطني الفلسطيني" اللواء صبحي أبو عرب أنّ "قوات الأمن الوطني الفلسطيني ملتزمة بوقف الاشتباكات من أجل المصلحة الوطنية، ومصلحة المخيّم وأهلنا فيه، ومصلحة الأهل في الجوار اللبناني وصيدا، وهي في حالة الدفاع والرد على اي اعتداء لا أكثر، وليست لديها أي مصلحة في استمرار ما يجري.
قيادة الفصائل والقوى الفلسطينية
* وكانت قيادة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان قد عقدت اجتماعاً طارئاً في مقر سفارة دولة فلسطين في بيروت، بحضور سفير دولة فلسطين أشرف دبور.
ودان المجتمعون كافة الأحداث المؤسفة التي حصلت، والاغتيالات، والعبث بالأمن في مخيّم عين الحلوة لبث حالة الذعر.
وتوقّف المجتمعون عند التوقيت المريب والمستمر للأحداث، حيث تبيّن من خلال كل ما جرى في السابق أنّ هناك أيد خفية تعمل لخدمة أجندات خارجية لضرب وحدة شعبنا وعملنا المشترك، ويدعون الى وقف اطلاق النار فوراً في المخيّم وسحب المسلحين من الشوارع
وتم الاتفاق على مرحلة من العمل الفلسطيني المشترك أساسها فرض الأمن والأمان في المخيّم، وعلى مبدأ المحاسبة لكل من يخطئ ودون استثناء وتسمية الأمور بأسمائها وتحميل المسؤولية لمن يخل بالأمن ويعرض شعبنا للمخاطر.
كما تم التأكيد على أنّ "القوّة الأمنية هي الجهة المسؤولة عن حفظ الأمن، وعلى كافة القوى التعاون معها لإنجاح عملها".
وأعرب المجتمعون عن "الحرص الذي يبديه شعبنا الفلسطيني في المخيّمات بالحفاظ على الأمن والأمان، والاستمرار في حماية مخيّماتنا وتعزيز العلاقات اللبنانية – الفلسطينية".
وجرى البحث في آخر المستجدات على الصعيد الفلسطيني والأوضاع في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، حيث توقف المجتمعون عند الحدث الأمني الذي شهده مخيّم عين الحلوة، وأصدروا بياناً دانوا فيه ما جرى، مؤكدين على ضرورة "توقيف المشتبه بهم من قبل القوة الأمنية المشتركة في المخيّم وتسليم كل المتهمين بجرائم القتل إلى الدولة اللبنانية"، ومشدّدين على أن "السلاح الفلسطيني ينبغي أن لا يوجه إلا نحو العدو الصهيوني".
السنيورة على خط المعالجة
هذا، وتابع رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة تطوّرات الأوضاع الأمنية في مخيّم عين الحلوة، وأجرى لهذه الغاية سلسلة اتصالات مع أعضاء اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا، داعياً الى تطويق الاشكالات الأمنية وحصر تداعياتها.
نجاة الزميل محمد الزعتري
من جهة ثانية، نجا الزميل محمد الزعتري بأعجوبة أثناء تغطيته لاحداث مخيّم عين الحلوة، نتيجة سقوط قذيفة صاروخية بالقرب من "مستشفى صيدا الحكومي"، حيث أصابته احدى شظاياها في صدره بجرح طفيف.
عبدالله الغار.. نزح من مخيّم اليرموك ليُقتل برصاصة قنص في عين الحلوة
خلال العمل على نقل إحدى الجرحى