"يا عزيزي"... عبارة ارتبطت بالنائب السابق الراحل حبيب صادق، يُلاطف بها كل من يُحادثه، ويستخدمها مراراً في خطاباته ولقاءاته ومُحاضراته وإطلالاته.

يرحل الجنوبي المُخضرم عن 92 عاماً، قضاها في العمل النضالي من أجل الجنوب ولبنان والقضايا الوطنية والقومية، وفي الطليعة القضية الفلسطينية.

وُلِدَ "الحبيب الصادق" في كنف عائلة تتميّز بالتعاليم الدينية والعلوم والثقافة، فوالده العلامة المرجع الشيخ عبد الحسين إبراهيم صادق.

وتعود أصول عائلته إلى بلدة الخيام في قضاء مرجعيون، على الحدود مع فلسطين المُحتلة، حيث أبصر النور، وهو أصغر أخوته، في العام 1931.

شهد نكبة فلسطين في العام 1948، ونزوح أهلها، وتفتّح وعيه باكراً على عدالة القضية الفلسطينية، فانخرط مُناضلاً للدفاع من أجلها.

تخصُّصُه في العلوم المالية والإدارية، ونيله إجازةً من الجامعة اللبنانية، لم يُبعده عن الثقافة والشعر والأدب، بل زاده ذلك إدراكاً في "دوزنة" وحساب الأمور.

عايش قادة كباراً في طليعتهم، المُناضلان الشهيدان كمال جنبلاط ومعروف سعد.

قاوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومن ثم للبنان، كما قاوم الإقطاع والتبعية.

آمن بحريّة الرأي واحترام الرأي الآخر، وإنْ دفع ثمن تمسّكه بمواقفه فقدان مقعد نيابي.

عمل على تعزيز الوعي، وتوعية الأجيال الشابة، والأخذ بأيديهم نحو التعليم، وتوفير مُنَح لمُواصلة الدراسة الجامعية في الخارج، خاصة في الاتحاد السوفيتي.

ركّز جهوده على الثقافة، شعراً ونثراً وأدباً، ورسماً، وإقامة ندوات ومعارض، وإصدار كُتُب، وإنجاز مخطوطات ودراسات، خاصة من خلال "المجلس الثقافي اللبناني الجنوبي"، الذي استطاع مع مجموعة من الأصدقاء تأسيسه في العام 1964، ونيل العلم والخبر من وزارة الداخلية اللبنانية، وتبوأ فيه مراكز عدّة وصولاً إلى منصب أمينه العام مُنذ العام 1975 وحتى رحيله.

كانت منازل أعضاء المجلس مكاناً لعقد اللقاءات والاجتماعات وتنظيم الندوات والمُحاضرات، قبل أنْ يتمكّن بعد ترحال، من شراء مركز للمجلس في بيروت، فشكّل محطة هامة، خاصة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران/يونيو 1982، واحتضانه اللقاءات الداعمة للمُقاومة بأشكالها المُتعدّدة.

أَوْلى الحركات الثقافية الاهتمام الكبيرة، مُنطلِقاً من مبدأ أنّ الثقافة أحد أوجه مُقاومة الاحتلال والإهمال والإقطاعية، فجمع الكثير من التراث تحت عنوان "تراث عاملي".

أصدر العديد من الكتب، التي أغنى بها المكتبة، وكَتَبَ أغانٍ وطنية، أدّاها مطربون كبار .

خاض حبيب صادق تجربة الانتخابات النيابية في دورتي العامين 1968 و1972 عن المقعد الشيعي في قضاء مرجعيون - حاصبيا، بمُواجهة رئيس مجلس النواب - آنذاك - كامل الأسعد، وفي الأخيرة، التي جمعت فيها "الليرة اللبنانية" دعماً لترشّحه، فأُسقط فيها!

مع عودة الحياة النيابية إلى الانتظام مُجدّداً في العام 1992، كان اسم حبيب صادق في طليعة المُستقلّين الذين جرى اختيارهم، ليكونوا في عداد لائحة "التحرير"، كمرشّح عن أحد المقعدين الشيعيين في قضاء مرجعيون - حاصبيا، بمُواجهة الرئيس كامل الأسعد، الذي ترأس لائحة "إرادة الشعب".

في الاجتماع الذي عُقِدَ في دارة الوزير - آنذاك - نبيه بري، في المصيلح - الزهراني، للأعضاء الذين ضمّتهم اللائحة، كان حبيب صادق الوحيد الذي وصل إلى باحة الدار العلوية في  سيارة أجرة "تاكسي".

فاز في الانتخابات بمُواجهة الأسعد، ونال 115487 صوتاً، فيما نال الأسعد 33638 صوتاً.

حلَّ صادق خامساً بين 23 نائباً جنوبياً، من بين 125 مُرشّحاً في الجنوب، ليكون ثاني المُستقلّين في الترتيب بعد النائب بهية الحريري التي نالت 117761 صوتاً.

لكن لم يستمر حبيب صادق في "كتلة التحرير" حتى نهاية ولاية الدورة، بل غادرها مع زميله النائب الدكتور سعيد الأسعد، وخاضا الانتخابات النيابية في العام 1996.

فاز في هذه الانتخابات النائب علي حسن خليل، الذي نال 123493 صوتاً، فيما نال حبيب صادق 65883 صوتاً.

في دورة العام 2000 شكّل حبيب صادق لائحة، لكن لم يتمكّن من الفوز بالانتخابات النيابية، واستمرَّ بدعم عدد من المُرشّحين، رغم اعتكافه السياسة بشكل مُباشر مُنذ العام 2005.

يرحل حبيب صادق بعد عمر أفناه بالثقافة والنضال، وتمسّكه بمواقفه، وهو يحظى بالاحترام حتى ممَّنْ اختلف معهم بالسياسة، لأنّه لا يُمكن إلا أنْ يعترف له الجميع بنضاله ومُقاومته للاحتلال والإقطاعية والفساد.

رحم الله الراحل حبيب صادق، الذي عاد ليوارى في ثرى مدينة النبطية، الشاهدة له على نضالاته، كما الجنوب والعديد من المناطق اللبنانية.