في خضمّ الأحداث العاصفة، وفي صمت الأيّام الواجفة، امرأة تخرج من غمار السّنين وليست خائفة.
إنّها المرأة الخمسينيّة في نضج التحوّلات البيولوجيّة والنفسيّة، ولها من عمق الثقافة خطوط دراميّة، ومن تجارب الحياة خيوط حريريّة، تُسأل وتجيب بصدر رحب وبردّ فاصل تجاوز الأفق الضيّق.
فالسؤال الذي طُرح عليها من قبل البعض المعجب بطلّتها البهيّة وغمزاتها النديّة:
ما الذي يستحقّ أن تغامري من أجله في البقيّة الباقية من حياتك؟
أجابت بشموخ المرأة الواثقة:
شيئان أغامر من أجلهما في حياتي:
الأوّل:
"وطن آمن ومستقرّ أعيش فيه بسلام، وأشعر في ظلاله بالأمن والأمان".
أمّا الشّيء الثاني:
"فرجل تجاوز الستّين من العمر يعلو الشّيب مفرقه بطلعة مشرقة، وعيون محدقة، وبسمات محرقة، فهو يستحقّ المغامرة من أجله".
وكان ردّهم:
ولكن يقولون إنّه قد كبر، وليس له الحقّ بأن يحبّ أو يُحبّ!
فقالت لهم باندفاع الدهشة المخمليّة:
أنتم مخطئون، فلا يفهم العشق إلّا الكبار يا سادة. فالرّجل بعد الستّين بحر عميق من الرّجولة، عليكم الحذر من أمواجه العاتية إن لم تجيدوا السّباحة. وهو أيضًا كالقصيدة العصماء لا يفهمها إلّا الذوّاق أيّها الرّفاق.
الرّجل بعد الستّين لا يقاس عمره بالسّنين، فهو كزهرة الياسمين كلّما أغدقت عليها بالحبّ والاهتمام فاح عطرها وعبق شذاها. وهو مع براءته الدافئة وصدق مشاعره، يجمع كلّ مراحل العمر في سلّة واحدة من التجاذبات والتناقضات البرّاقة. فهو مجنون حينما يحبّ، وطفل عندما يبكي، وناضج بما فيه الكفاية عند المواقف الصّعبة.
هو جميل كالسّلام، قويّ كالحرب، رقيق كالخيال، عاقل كالمنطق، مجنون كالتّاريخ، عظيم في دفاعه عن أرضه بشراسة الملهم إلى أبعد الحدود. هو باقة من زهر اختلفت ألوانه، ونبع من حنان فاضت مياهه. هو إغريقيّ الهوى، عربيّ الشّهامة، سامي الشّعور، عميق الإحساس، غيّور بلمعة الألماس. وإن ابتسم لوجدت ألف كوكب يدور حوله كالمجموعة الشمسيّة.
هذا الرّجل يهيم بصدق، يعشق بجنون، ويحبّ بفتون. إنّه كلّ ما تتمنّاه المرأة في في خريف العمر.
عندها، جاء ردّ المجموعة كصدى الصوت في الوادي السحيق:
"شكرًا أيّتها المرأة الرائعة، ومبارك لكلّ رجل تجاوز الستّين بمخزون من العشق والحنين".
وألف تحيّة لمن قارب الموضوع من زاوية المحبّة، فالمحبّة لا تعطي إلّا ذاتها، ولا تأخذ إلّا من ذاتها.