الجمعة 7 تموز 2023 11:52 ص |
بالصور: نساء يقتحمن مهن الرجال ويُغامرن: من القصّ إلى الطبل فالـ"دريفتينغ" |
* جنوبيات بعضهنّ لم يسمَحْنَ للقيود بأن تحدّ من طموحهنّ، فتمرّدنَ واقتَحمْنَ مِهناً طالما دمغها المجتمع كَحكرٍ على الرجال. وأخريات مارسْنَ هوايات «رجّالية» بلمسات أنثوية فَكَسرْنَ صورة نمطية ملاصقة للمرأة الشرقية. لبنانيات كثيرات مَرَرْنَ بهذه التجربة أو تلك. لكن حين تصبح الحاجة بالذات سيّدة الموقف، ترى المرأة اللبنانية «أخت الرجال». بين الحاضر والماضي، جولة عبر الزمن على باقة من تلك القِصص والعِبر. الهوايات تستحيل طموحاً. هكذا تحوّل حلم أنجي وهبة، ابنة العشرين عاماً، والذي راودها منذ سبع سنوات، إلى حقيقة قبل أشهر قليلة. عِنادها وطموحها فعلا فعلهما. فمعارضة والدها والمجتمع لم يمنعاها من افتتاح صالون الحلاقة الرجالي الخاص بها في بلدتها، كفرشيما. «لقد عمِلت كموظفة في صالونات حلاقة للرجال منذ كنت في الثالثة عشرة من عمري، وزبائني يتنقّلون معي أينما حللت. لكن حين تكونين موظفة، يكون دورك محدوداً حتى أن البعض لا ينتبه أصلاً لوجودك. فكلِمتك غير مسموعة وحقوقك أحياناً مهدورة. أما حين تصبحين «صاحبة المحل»، فينظر إليكِ الجميع بطريقة مختلفة، ويولد لديكِ شيء من الكبرياء». أنجي تعترف بأنها لاحظت مراراً استغلال البعض للعنصر النسائي في توظيفها، رغم أنهم لم يعبّروا عن ذلك صراحة. «كنت أقوم بتنظيف الكراسي ولا أخجل من النقطة التي انطلقت منها… فها أنا اليوم أنظّف صالوني الخاص بنفسي». يقصد صالون أنجي يومياً ما لا يقلّ عن 25 زبوناً يأتون من الشمال والجنوب كما من زحلة وكسروان. فهل كونها فتاة يساعد على استقطاب المزيد من الزبائن؟ «ربما نعم لمرة أولى، لكن الزبون لا يكرّر زيارته إلّا إذا أحب العمل وأُعجب بالنتيجة». هي تسعى لِخلق أجواء مميزة داخل الصالون. تستمتع بلعِب الطاولة مع الزبائن، ومن يربح منهم يحصل على «قصّة ببلاش». الوالد عارض بشدّة في البداية، كونه على يقين بتفكير الشباب في مجتمعنا الشرقي الهوى. لكن هو من ساعدها في إتمام ديكور صالونها إلى جانب دعم والدتها وخطيبها ورفاقها الفخورين بها. «كان يراودني قلق دائم ألا يقبل أهل خطيبي بهذه المهنة لزوجة ابنهم المستقبلية، لكنني أدركت أن الثقة تلعب دوراً أساسياً في العلاقة». أنجي تحلم بافتتاح فروعٍ أخرى داخل لبنان وخارجه. وأرادت توجيه رسالة إلى كل فتاة وامرأة: «آمني بما تقومين به واتبعي المهنة التي تجدين نفسك بها طالما أنكِ لا تحيدين عن قواعد الآداب. الحلم يجب أن يتحقق… فلا تتخلي عنه لأي سبب كان».
داخل الحلبة… وخارجها إيلينا لم تنكر أنها مجبرة على «نَزْع» أنوثتها وتركها خارج السيارة. لكنها تؤكّد أنها لا تلبث وتعيد «ارتداءها» بعد أن تترجل منها. هي تدرك جيداً التوقيت المناسب لتبنّي هذه الحالة وتلك. تشجيع الأهل بعد معارضة شديدة ومحبة الجمهور يشعرانها بالسعادة. وحث الأولاد على حب هذه الرياضة سعيٌ دائم لديها. لقد أرادت أن تثبت دوماً أن باستطاعة أي فتاة الوصول بجدارة إلى حيث تريد ومواجهة تعقيدات المجتمع الشرقي. واليوم تقوم مع خطيبها بتعليم أصول هذه الرياضة. «بعض التلاميذ لا ينظرون إليّ نظرة جدّية ولا يستمعون لتعليماتي لمجرّد كوني فتاة. فهُم لا يقتنعون منّي إلّا بعد أن أريهم التطبيق بنفسي من خلف المِقود». ثمة حلم مرافق للشغف هنا أيضاً. فإيلينا تطمح لتحقيق الأعلى واضعة الوصول إلى العالمية نصب أعينها. ومشاركة عدد أكبر من الفتيات في مسابقات «الدريفتينغ» أمر تشجّع عليه لكسر القيود والحواجز خارج الحلبة والأرقام داخلها.
للطبل ملمسٌ آخر الثقة ثم الثقة. فهي أبرز ما منحه الطبل لجيني حيث كثيرون ما زالوا غير متقبّلين للفكرة. «لقد أصبح الطبل جزءاً لا يتجزأ من هويّتي. بالنسبة للبعض، الضرب على الطبل مرادف لجيني. لكل طبل بحوزتي قصة ومن خلالها وصلت لأكبر عدد ممكن من الجمهور. لا شك أنها سرقت بعضاً من صحتي لأنها متطلّبة جسدياً. لكنها لم تمسّ أنوثتي لأن الإنسانة بداخلي لا يبدّلها طبل أو سواه». لا بل أكثر. فجيني ضليعة بتصليح الطبول المكسورة أو الممزّقة الأسطح. والطبالون الشباب يقصدونها لتركيب أشرطة LED لطبولهم. «للطبل ملمس آخر حين يكون بين يديّ أنثى. لا تنقصنا معرفة أو ذكاء أو قدرة على الابتكار. والأجمل أن يدعمنا الرجل برحابة صدر طالما أننا نقدّم عملنا بالشكل الصحيح».
العمل ليس عيباً «مضى عليّ في هذا المجال ما يفوق العشرين سنة، وما يهمّني هو خدمة الزبائن على أكمل وجه. عملي متعب لكنني أستمتع وأفتخر به. على المرأة والرجل أن يكونا يداً واحدة. والأهم أن تحترم المرأة نفسها وزبائنها. صحيح أن هناك أماكن لا يجب أن تقترب منها، لكن حين تقترب بثقة وإرادة، فليس ثمة عيب في ذلك». بعيداً عن الملحمة، ميرنا تختصر بشخصها نساء لبنانيات كثيرات. فقد سبق وعملت في تصفيف الشعر. كما ساعدت زوجها ندّاً لندّ في تشييد منزلهما الزوجي. «المرأة المسؤولة لا تمدّ يدها لأحد ولا تخطئ بكرامتها أو شرفها. هي تعمل وتتحمل المسؤولية… حتى أكثر من الرجل أحياناً».
ليت زمن «الأدرينالين» يعود ما زالت هنادي تعشق القيادة وتتمنى لو امتدت تجربتها لسنوات إضافية. فكل شيء تغيّر اليوم، برأيها، حتى البشر. تتذكر جيداً الشعور المرافق لارتفاع منسوب «الأدرينالين» في الجسم، وتصفه بـ»أجمل شعور في الحياة». لكن كيف نظر المجتمع لهنادي في تلك الحقبة وهل ظلمها بأحكامه؟ «هناك من يحب أن يرى فيّ القائدة والمغنية والسائقة وهذه سمات البشر العادية. لكن آخرين يرون ما لا يراه غيرهم من خلال نظرة أعمق للحياة. أما المجتمع فأنا من أبنيه من حولي ولم أكن يوماً منقادة له ولم أسمح لأحد بأن يهزمني».
المصدر :نداء الوطن |