السبت 8 تموز 2023 14:32 م

هل نحتاج الى شهرزاد في يومنا هذا؟


* جنوبيات

كلنا يتذكر القصص الخيالية التي كنا نشاهدها ونحن صغار، فهي تنمّي المخيّلة وتدفع بالإنسان الى تقوية قدراته العقلية، وتساعده على إثراء المخزون المعرفي شيئاً فشيئاً، ومن منّا لا يعرف قصة الملك شهريار الذي كان يتزوج يومياً من عذراء ثم يقوم بقتلها في اليوم التالي، والسبب لذلك  هو خيانة زوجته بهرامة له على الرغم من كونه يحبها حباً خالصاً، وبقي على ما هو عليه الى أن جاءت شهرزاد وقررت التضحية بنفسها لإنقاذ فتيات المملكة من القتل من خلال سلسلة قصص ألف ليلة وليلة.
هذه القصة تدفعنا للتساؤل ما الحكمة أو العبرة المفيدة  التي تُستقى منها؟ هل ترشدنا الى التزوّد بالعلم والمعرفة للخلاص من الجهل والظلم؟  هل كانت شهرزاد ذكية الى حدّ انها جمعت ألف كتاب من قصص الملوك والأساطير لكي تؤسر هذا الملك بقصصها وتحوجه الى المزيد من السرد؟ أي هل ادركت شهرزاد ان الدهاء يكمن في التزوّد بالمعرفة وامتلاك المعلومة هو السبيل للنجاة من الموت المحقق؟ هل نحتاج اليوم الى شهرزاد؟
في الواقع ان العلم والمعرفة هما السلاحان اللذان يزودان الإنسان بالنور لكي نبصر ما علينا فعله وما علينا تركه، أي ان العلم هو الذخيرة لأي معركة من معارك الحياة،  حتى المعركة التي يتصارع فيها  الإنسان مع نفسه، فالعقل اللاوعي هو الذي يخزّن المعلومات حيث يستخدمها عند الحاجة،  فما على الإنسان سوى تلقينه  وبرمجته بالأوامر البناّءة والآخذة نحو النور، ففي دواخلنا نكون دوماً في حوار  لذلك ما علينا سوى ان نكون ايجابيين مع انفسنا لعلنا نهتدي  الى طريق الرشاد وطريق الصواب،  أي الطريق  لبناء النفس المتوازنة  القوية بنور الإيمان.
هكذا قامت شهرزاد بعمل يوضّح لنا حقيقة  العقل المستنير بنور العلم والمعرفة، هو العقل المخلّص من العقد النفسية المريضة، وبالتالي هو العقل الذي يقوّي لنا العزيمة والإصرار على ما نريد ان نكون عليه، وينمّي لنا القدرة على محاربة الجهل بالوسائل المتاحة ،  ذلك الجهل الذي كان حينذاك يذهب ضحيته فتيات المملكة اللواتي لا ذنب لهنّ سوى أنهنّ لن يبتكرن الطرق الآخذة الى العلم والمعرفة، فالقصص التي كانت ترويها شهرزاد من كتاب ألف ليلة وليلة حفزّت مخيّلة الملك شهريار وزادت من شوقه لمعرفة مجريات الأحداث التي تُروى عليه مما أودى به الى اتخاذ القرار بتأجيل القتل، وبقاء شهرزاد لمتابعة السرد.
أخيراً نقول ان المجتمع الذي ينتشر فيه الجهل والتخلف هو مجتمع مريض بمرض عضال لا سبيل للشفاء سوى محاربة الجهل بالعلم والتعلم، فالعلم هو الذي يقودنا  الى نقاء البصيرة  ووضوح الرؤية المستقبلية، ان العلم دفع بشهرزاد الى التزود بألف كتاب من قصص الملوك أي ان بصيرتها اعطتها الحلول للمشاكل التي كانت تعاني منها المملكة آنذاك، فكيف يمكن ان نتخذ من شهرزاد مثالاً يُحتذى به حيث ان غناها  العلمي والمعرفي لا المادي، حفزاها على تعميق معرفتها بالقراءة والتمحيص والبحث، أي أبعدت مملكتها عن الظلامية وعن شبح الموت والخوف والقلق.

 

المصدر :جنوبيات