يُحكى في زمن البؤس والحرمان الذي يعيشه المواطن في لبنان أنّ أحدهم ذهب لشراء فرّوج مشويّ من أحد المطاعم. وأثناء انتظاره ريثما يتمّ تجهيز الطلب أتى أحد الأشخاص وعليه علامات البؤس، مُرتديًا ثيابًا رثّة، وسأل صاحب المطعم عن ثمن الفرّوج، فأجابه: 800 ألف ليرة لبنانيّة.
فخرج الرّجل وانزوى جانبًا وأخذ يعدّ ما لديه من نقود فوجدها ناقصة. ثمّ دخل وقال لصاحب المطعم:
"لو سمحت هل يوجد فرّوج أصغر بقليل وبسعر أقلّ"؟
نظر إليه صاحب المطعم وأخذ هاتفه المحمول وكأنّه يردّ على مكالمة وفي الوقت نفسه يومىء للرجل برأسه (كأنّه يقول له إنّه حاضر) وهو يبتسم ابتسامة المسرور.
وبسرعة قصوى أنهى المكالمة وهو يقول: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، نشكرك يا الله على فضلك".
وإذ به يختار فرّوجًا كبيرًا وضعه في كيس مع مستلزماته وقدّمه للرجل الفقير قائلًا له:
"لقد رُزقت بولدين توأم، وهذا الفرّوج هديّة منّي إليك يا وجه الخير".
أخذ الرّجل البائس الفرّوج وفرح به وأخذ يدعو لصاحب المطعم بأن يبارك الله بطفليه ويحفظهما.
وما هي إلّا لحظات حتّى تمّ تجهيز طلب الشّخص الذي شاهد ما حصل، وعند خروجه قال لصاحب المطعم: "مبارك عليك التوأم".
فابتسم صاحب المطعم وقال:
لا زاد عليّ ولد ولا اثنان. لكنّني فكّرت في طريقة أساعد فيها الرجل لأنّه محتاج ويريد إطعام أسرته، وحياؤه منعه من طلب المساعدة. فابتكرت هذه الوسيلة بهدف مساعدته بدون إحراجه، وكيلا يحسّ بأنّها صدقة، فقدّمت له هديّة.
وبملخّص القول الفصل في مسيرة العطاء المغلّف بالكرامة، لا يزال هناك في هذه الأيّام الصّعبة التي نمرّ بها جميعًا نفوس طيّبة تعطي بدون منّة، وبأسلوب راقٍ وجميل بدون "تحميل الجميل".
في حين أنّ بعض المسؤولين يقومون بإزالة أي أثر للعطاء الخيّر في مسيرة الدولة.
إنّه "الفرّوج المشويّ بنار دافئة وبحرارة تتلحّف العطاء سبيلًا لا جميلًا".