الجمعة 4 آب 2023 14:34 م

عين الحلوة وعبثية التقاتل!


* جنوبيات

هي أيّامٌ مرعبة تدعو للشفقة، الأخوة تتقاتل فيما بينها بلا هدف ، وحوشٌ بشريّة تتكاثر وتتصارع وتفترس بعضها لتظهر مدى قوتها وعظمتها وسيطرتها، إنّ الجميع يتقاتلون لكي يختلسوا بأي ثمن قوة وجودهم وتثبيت حقهم بالسيطرة والهيمنة، إنما كلّ ذلك على حساب مَن؟ على حساب الناس الضعفاء البسطاء الفقراء المعتّرين الذين يطمحون بالعيش الكريم والحياة السعيدة، ولا يرجون من هذه الحياة رغم ظروف حياتهم القاسية وتهجيرهم، وعيشهم في بقعةٍ صغيرة من وطن ليس وطنهم واعتبارهم لاجئين، سوى الأمن والأمان وحياة مستقرّة، وبعض من عدالةٍ اجتماعية.  عين الحلوة تشعر بوطأة العجز أمام قوى الاستبداد والتسلّط الميليشياوي، والأصوليّة الهمجية، وهي في الحقيقة تخضع بقهرٍ وألم لهذا التسلّط العنجهي، ومن خوفها لا تجرؤ مع شعبها على التفكير في أنّ المسيطِر عليها لا يستحق التملّق، لأنّ القوّة والشراسة لا تفرض احترامًا ولا تقديرًا ، ولا أمنًا ولا سلامًا، وهذا العقاب المنزَل عليها من أبنائها لا تستحقه،لأنها كانت الحاضنة له بعد الطرد والتهجير من أرضه في الشتات. إنّ ما عاناه أهلنا في مخيم عين الحلوة في هذه الأيام، وما يعانيه من قتل ودمار وتشريد ورعب هو عارٌ على جبين كل مَن تسبب وافتعل هذه المعركة . مأساة ما بعدها مأساة، وعبثية ما بعدها عبثية! معركة كرٍّ وفرٍّ تخلو من الهدف والمعنى، معركةً هي من نتاج مسبباتٍ لتصوّرٍ مسبق لغايةٍ يسعون إليها ضمن لعبة العبث بمصير شعبٍ عاجزٍ عن تثبيت هويته المطمورة تحت ركام القضية المركزية المتحركة في اتجاهات شتّى، والتي تكشف عُهر الحكّام المتلاعبين في حقيقة وجوهر وطنهم المغتصَب، الوطن المتروك لمصيره، حتى أصبحوا بعيدين عنه مسافة أزمنة عديدة وكثيرة ، إنّهم يتلهون بالقشور ويعبثون في الصميم حتى أصبح وطنهم ذكرى يتكدّس على حطامه.  عين الحلوة المقهورة على شبابها الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر على أرضها كالعصافير يصطادون بعضهم بعضًا دون رحمة ولا شفقة، ودون خوفٍ من الله الذي يحتمون به والله بريء  منهم، ودون وجل، سرقوا الطمأنينة وراحة البال، وراحوا ينشرون الرعب في القلوب وفي النفوس. عين الحلوة ما عادت قادرة على الحزن، وماعادت قادرة على الفرح، الثورة والنضال والكفاح المسلّح من أجل فلسطين ماتوا، وانتقلوا إلى نعمة نسيان جوهرهم. الأخ يقتل أخاه، والأب يسلّم ابنه، والأم تأكل أطفالها، إنها العبثية بحد ذاتها.  عبثوا عبثًا فظيعًا في عين الحلوة، العين لم تعد عينًا، لقد اًصبحت نهرًا من دماء الأخوة والأبناء، وكذلك لم تعد حلوة لأنّها أصبحت مرّة المذاق ملوّثة، طعمها حاذق لا يصلح لشيء. عبثية التقاتل ومعمودية الدم، وجنون التسلّط والتحكّم، وعبادة القوّة وسياسة الروح العسكريّة الميليشياوية، دمّرت كل ما هو جميل وإنساني، وغرزت مخرزًا مسمومًا في عين الحلوة.

المصدر :جنوبيات