هذه القصّة أخبرنيها أحد تجّار مدينة دمشق إبّان زيارتي للشّام في صيف العام 2007.
يقول هذا التّاجر: كنت في الخامسة والعشرين من عمري تقريبًا، وكان لي جار قريب من دكّاني يُعتبر من أهمّ شيوخ التجّار في دمشق. وقد كان يصرّ على أن يشرب معي قهوة الصّباح في الفسحة المشتركة التي تفصل محلّينا.
وفي الواقع كنت أستمتع بحديثه عن تجارته وأتعلّم من كلّ رواية يرويها درسًا في أسرار التّجارة المميّزة. وكان هو بالمقابل يرى فيَّ ذلك التّلميذ النّجيب الذي عوّضه عن انصراف ابنه الطّبيب عن التّجارة وسفره إلى الخارج.
وفي صباح ذات يوم من صيف العام 2004 عرض عليه شابّان يافعان استئجار محلّه بمبلغ كبير نسبيًّا فرفض. وقال لهما:
"عمّو أنا بشتري ما بّيع وبشارك ما بأجّر".
فقبلا عرضه واتّفقا معه على استثمار المحلّ كمقهى إنترنت.
وهكذا كان، فقد قدّم التّاجر محلّه وخبرته الإداريّة والتّجاريّة. في حين قدّم الشابّان خبرتهما الكبيرة في مجال المعلوماتيّة. وقد أخذ منهما نصف الأرباح وترك لهما النّصف الآخر مناصفة بينهما.
وبالفعل نجح المشروع نجاحًا باهرًا وعمل الشابّان بحماس منقطع النّظير على مدار ساعات العمل اليوميّة. وقد وصلت إيرادات المشروع في ذلك الوقت إلى ما يعادل ألفي دولار أمريكيّ يوميًّا.
وبعد عام تقريبًا قال لي جاري أثناء جلستنا الصّباحيّة أنّه ينوي تصفية الشركة. فسألته عن السبب مستغربًا تضحيته بهذا الكمّ الهائل من الربح، فأجاب:
"إنَّ شريكَيه يعتقدان أنّ خبرتهما وحدها هي سبب نجاح المشروع، وأنّه عبء عليهما ومن الممكن أن ينجحا بدونه في أي مكان آخر".
وأضاف قائلًا بثقة الخبير:
"إنّ هذا الاعتقاد كان بداية الفشل فصفاء النيّة هي أساس لنجاح أي شركة".
وقد حصل الشّابّان على قرض من قريب لهما في بلاد الاغتراب، واشتريا المحلّ المجاور وجهّزاه بأحدث التجهيزات، وعاد التّاجر المخضرم إلى مزاولة تجارته القديمة.
وبعد أقلّ من شهرين على تلك الواقعة فشل الشابّان واختلفا وباعا المحلّ بنصف ثمنه تقريبًا، واضطرّا حتّى إلى بيع كلّ منهما سيّارته لتسديد ديونهما.
وهنا وباستغراب مَن يبحث عن لبّ الحقيقة سألت جاري في جلستنا الصباحيّة عن سبب فشلهما بالرغم من أنّهما لم ينقلا عملهما إلّا عشرين مترًا فقط.
فأجابني:
"عمّي، المحلّات قدوم وعتبات".
وإذا رزقك الله من معين فضله، فاجعل نيّتك صافية لوجه الله. فأنت لا تعرف "بحسنة مَن" أكرمك ربّك ورزقك الخير الدّافق.
وختم جارنا العزيز حديثه الشيّق قائلًا:
يا ابني، "التّجارة مو بسّ شطارة".
وكان هذا الدّرس من أهمّ الدّروس التي تعلّمتها في حياتي.
وفي نظرتنا للواقع المأساويّ الذي نعيشه اليوم في بلدنا الحزين لبنان نقول:
"إنّ نوايا بعض الحكّام والمسؤولين المجبولة بالخبث والمكر والخداع كانت السّبب الأبرز لخراب الهيكل الاقتصاديّ والاجتماعيّ على كلّ الصّعد والمستويات".
نجّانا الله من مكرهم، وعوّض علينا وعلى لبناننا العزيز الغالي كلّ الخير. وليس ذلك على الله بعزيز...