الثلاثاء 22 آب 2023 12:18 م

"كنه الخسارة"!


* جنوبيات

يُروى في خوابي الحكايا الإنسانيّة أنّ صيّادًا جلس على شاطئ البحر ليلًا يتأمّل بزوغ الفجر وبيده عصا طويلة يحرّكها يمنة ويسرى، وإذ بها تصطدم بكيس يحوي حجارة صغيرة غير واضحة المعالم بسبب عتمة الليل. وبسرعة المتلهّف للتسلية مدّ يده والتقط الكيس وتناول حجرًا من داخله ورمى به في البحر، وبفرحة الوهلة أعجبه صوت الحجر وهو يرتطم بالماء. فعاود الكرّة مرّة أخرى، وظلّ على هذا المنوال حتّى بدأت خيوط الفجر تخترق العتمة لتنبئ بأنّ وقت شروق الشمس أزف بالظهور. 

وما إن أشرقت الشمس، بقي حجر واحد في الكيس، فنظر إليه، فإذ به يصاب بالدهشة حيث تبيّن له أنّ الحجر هو عبارة عن جوهرة نفيسة باهظة الثمن. عندها شعر بالحسرة والمرارة، إذ اكتشف أنّ كلّ ما ألقاه في البحر كان جواهر وليس حجارة. 
وبحرقة الخسارة المرّة قال بنبرة الندم: "يا لغبائي كنت أقذف الجواهر على أنّها حجارة لأستمتع بصوتها ليس إلّا. ولو كنت أعلم قيمتها ما فرّطت فيها هكذا".
في واقع الحال، إنّ كلّ واحد منّا هو ذاك الصيّاد. وبالتالي فإنّ حسرتنا على ما فات سببها تهاوننا بعمرنا في هذه الحياة حيث الضياع في متاهة النداهة.  
فكيس الجواهر هو العمر الذي نهدره ساعة فساعة ونلقي به في غياهب القدر. 
وصوت الماء هو متاع الدنيا الزائل وشهواتها البالية. 
أمّا ظلام الليل فهو الغفلة المقيتة. وبزوغ الفجر هو ظهور الحقيقة الساطعة كالشمس، وذلك عند الموت حيث لا رجعة إلى الوراء. "فالخلق كلّهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا".
وعليه، فما بين الجواهر والحجارة يتبلور كنه الخسارة. 
ونختم بقول الباري عزّ وجلّ في محكم التنزيل: "كلّ نفس ذائقة الموت وإنّما تُوفّون أجوركم يوم القيامة فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور".
صدق الله العظيم. 

القاضي م جمال الحلو

المصدر :جنوبيات