الجمعة 25 آب 2023 10:12 ص

وسط تجاهل رسمي تام... مصير مجهول يحيط بقارب هجرة لبناني وشكوك حول ليبيا


* جنوبيات

تعيش عشرات العائلات في شمال لبنان حالة من الترقب والخوف على أفرادها وأقاربها، الذين انطلقوا في الحادي عشر من الشهر الجاري على قارب للهجرة غير الشرعية نحو إيطاليا، لكن قبل الوصول إلى الحلم الأوروبي دخلوا في مصير مجهول، ليتداول بعدها أنه جرى احتجازهم في ليبيا.

لبلدة ببنين في عكار حصة كبيرة على متن القارب، كون المهرّب من أبنائها. ومن الذي حجزوا مقعدا عليه الشاب محمد عبد الناصر آغا، وبحسب ما يؤكده والده لموقع "الحرة" فإنه لم يكن على علم بقرار ابنه الذي حاول السنة الماضية الهجرة من دون أن ينجح.

يقول الأب: "تفاجأت بالخبر بعدما اتصل فجر ذلك اليوم بشقيقه بلال مطلعا إياه أنه يشق طريقه إلى سواحل إيطاليا، لينقطع بعدها كل خبر عن ركاب القارب قبل أن تصلنا أخبار غير مؤكدة عن احتجازهم في ليبيا".

وضع محمد المادي صعب جدا، فهو يعمل صيادا في لبنان، ويقول والده "لم يملك دولارا واحدا لدفعه مقابل المقعد الذي حجزه على القارب، فلو كان في حوزته هكذا مبلغ والمقدّر بحوالي ستة آلاف دولا لما فكّر بالمخاطرة بحياته".

ويضيف "منذ انقطاع التواصل معه ونحن نمّر بأسوأ أيام حياتنا، نعجز عن الأكل والشرب والنوم، كل ما نصبو إليه أن يعود إلى حضننا سالما معافى، ولأن لا أحد من المسؤولين أولى قضيتنا أي أهمية سنضغط في الأيام القادمة في الشارع علّ من في السلطة يحرّكون ساكنا".

كان المركب يقلّ بحسب ما ذكرت منظمة "هاتف الإنذار" 110 أشخاص من بينهم 40 طفلا، وذلك بعد أن كان مقررا أن يبحر المئات على متنه، لكن مخابرات الجيش اللبناني أوقفت عددا كبيرا من الأشخاص قبل تمكّنهم من الالتحاق عبر مراكب صغيرة بالمركب الذي كان ينتظرهم في المياه الإقليمية.

وأعلنت قيادة الجيش- مديرية التوجيه في بيان أن "دورية من مديرية المخابرات تؤازرها وحدة من الجيش في بلدة الشيخ زنّاد - عكار، أوقفتا 130 سوريا و4 مواطنين لمحاولتهم التسلل عبر البحر بطريقة غير شرعية باتجاه إحدى الدول الأوروبية، كما أوقفت الرأس المدبر للعملية المواطن ش.س".

وبسبب الانهيار الاقتصادي تحوّل لبنان إلى منصّة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين، وبعد أن كانت الغالبية العظمى منهم في السنوات الماضية من السوريين، انضم إليهم منذ عام 2020 عدد من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين، وبعد أن كانت قبرص، هي الوجهة الرئيسية لهؤلاء بسبب قربها من شواطئ لبنان الشمالية إذ لا تستغرق الرحلة سوى بضع ساعات للوصول إليها، وكذلك اليونان التي تحتاج إلى نحو يومين لبلوغها، أصبحت إيطاليا منذ مدة هي الوجهة كونها نقطة عبور إلى أوروبا.

تطمينات موضع شك
تفاجأ سمير البطن بخبر تواجد شقيقته سمر (27 سنة) وطفلتيها، وزوجة ابن شقيقه إيمان درويش وطفليها، إضافة إلى ابن شقيقته المتوفية، كفاح خلف البالغ من العمر 26 سنة على متن القارب.

يقول البطن لموقع "الحرة" "لم نعلم بما كانوا يعدّون له، في صباح ذلك اليوم استيقظنا على خبر انطلاق القارب وبأن من بين أسماء الركاب سبعة من عائلتنا".

لم تغامر سمر بحياتها وحياة طفليها من فراغ، فلا كلمات يمكنها وصف الوضع المادي لزوجها، العنصر في الجيش اللبناني، الذي تآكلت قيمة راتبه بسبب انهيار سعر صرف العملة المحلية، وبعدما أغلقت كل الأبواب في وجهيهما كان خيار هجرتها أولا كطوق نجاة لهما، لكن للأسف كما يقول شقيقها "لم تصل إلى برّ الأمان.

"أما إيمان فكان هدفها الوصول إلى ألمانيا حيث يقيم زوجها، لتكمل وإياها ما تبقى لهما من العمر سوية، في حين لا مصدر رزق لكفاح في وطنه".

ويضيف البطن: "وضعي المادي ليس أفضل منهم، فمنذ اندلاع الثورة في لبنان توقف عملي في مهنة الموبيليا وأنا والد لخمسة أبناء ما اضطرني إلى دفع قاصرَين منهم للعمل في كراج لتصليح السيارات، ولو إني أملك المبلغ المطلوب للهجرة لما ترددت لحظة بمغادرة هذا البلد".

في الوقت الذي لا تزال فيه عائلات من على متن القارب تنتظر خبرا يطمئنها عنهم، يؤكد البطن أن شقيقه تلقى اتصالا من سمر أمس الأربعاء، أطلعته خلاله أنها وركاب القارب بخير، وهم موقوفون في ليبيا بانتظار إنهاء السلطات المختصة الإجراءات الروتينية التي تستغرق أياما لإعادتهم إلى لبنان.

لكن شقيق أحد الركاب يشكك في كلام البطن، ويعبّر في حديث لموقع "الحرة" عن مخاوفه من أن يكون أحد المتورطين بالتهريب هو الذي طلب منه طمأنة الأهالي عندما لمس أن صبرهم بدأ ينفذ وأن القضية بدأت تضج في وسائل الإعلام، وما يؤكد مخاوفه كما يقول "رفضه مشاركتنا رقم الهاتف الذي اتصلت منه سمر".

لم تطلع سمر شقيقها فيما إن كانوا موقوفين من قبل جهات رسمية أم قراصنة، بحسب قوله، لكن منظمة "هاتف الانذار"، كشفت عبر موقعها عن "إقدام مسلحين ليبيين على اختطاف المهاجرين في 18 أغسطس الجاري" شارحة أنها كانت على اتصال مع ركاب القارب، وعندما وصلوا إلى منطقة البحث والإنقاذ في مالطا أخبروها أن "سفينة تحمل العلم الليبي كانت تطاردهم وأن مسلحين كانوا يطلقون النار عليهم، مما أدى إلى إصابة شخص واحد على متنه".

جرى إبلاغ العديد من سلطات الاتحاد الأوروبي بحالة الطوارئ الخطيرة، بحسب المنظمة "حيث تم تنبيه السلطات المالطية والإيطالية واليونانية بالاعتداء العنيف الذي تعرض له الركاب في مناطق البحث والإنقاذ المالطية واليونانية، وطالبت المنظمة بعملية إنقاذ عاجلة".

وأضافت "تبلغنا من الركاب أن أحد محركاتهم توقف عن العمل بعد إطلاق النار عليه من قبل القوات الليبية. كان هذا آخر اتصال تم إجراؤه معهم"، وخلال الساعات التالية، حاولت المنظمة إعادة الاتصال بالقارب، لكن دون جدوى. كما حاولت حشد جهود الإنقاذ من خلال الاستفسار المتكرر مع السلطات الأوروبية عما إذا كانت قد بدأت إجراءات الإنقاذ، لكن دون جدوى كذلك".

وشددت المنظمة "نحاول العثور على مزيد من المعلومات حول الأشخاص الذين فروا من لبنان ووصلوا إلى منطقتي البحث والإنقاذ في دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي، ليتم إجبارهم على الذهاب إلى ليبيا حيث يتعرضون لخطر مواجهة أشكال متطرفة من العنف".

الكارثة مستمرة
وكما في كل فصل صيف، تنشط مافيا التهريب في تسيير "قوارب الموت" نحو أوروبا والتي أصبحت الأمل الوحيد للنجاة في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مأساوية يمر بها لبنان وسوريا على حد سواء، و"المسؤول الأول عن الحال التي وصل إليها اللبناني وتفضيله مواجهة الموت في البحر على العيش في الذّل والحرمان، هم المسؤولون السياسيون"، بحسب ما يشدد رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار، مختار بلدة ببنين، زاهر الكسار.

ويضيف في حديث مع موقع "الحرة": "كذلك حال اللاجئين السوريين المحاصرين في لبنان بخطابات الكراهية والتضييق والتهديد بإعادتهم قسرا إلى بلدهم، لا بل هناك سوريون يفرّون من وطنهم عبر الشواطئ اللبنانية".

لا يصدق أحد أن اللبنانيين مرتاحون وفرحون كما ظهر خلال حفل عمرو دياب قبل أيام، يقول الكسار "فبضعة آلاف من المواطنين لا يعكسون الواقع المرير وبأن هناك من يموتون لعجزهم عن دفع فاتورة الاستشفاء وأن عائلات عدة تنام ببطون خاوية لأنها لا تملك ثمن ربطة خبز".

وطالب مختار ببنين السلطات اللبنانية التدخل فورا لإعادة الموقوفين في ليبيا، "فأقل واجب تقوم به هو متابعة قضايا شعبها في مثل هذه الحالات، لاسيما وأنها المتهمة عن نهبه وافلاسه ودفعه للهجرة".

إلى حد الآن ليس لدى الجيش اللبناني أي معطيات عن القضية، كما أكد مصدر أمني لموقع "الحرة"، في حين لم يكلّف رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير بمتابعتها، بحسب ما أشار في اتصال مع موقع "الحرة".

تتابع مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان الليبية القضية، وبحسب ما يقول مديرها التنفيذي، طارق لملوم، لموقع "الحرة" "تواصلنا مع منظمة "هاتف الإنذار" فأطلعتنا أن المعلومات التي حصلت عليها تؤكد احتجازهم في ميناء بنغازي وقد وعدت بإطلاق سراحهم".

المصدر :موقع الحرة - أسرار شبارو