يُحكى في الزّمن المعاصر أنّ أحد المشايخ ﺍﻋﺘﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ لإلقاء خطبة الجمعة، فأخذ ﻳﺘﺤﺪّﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺼّﺒﺮ ﻭﺍﻟﺰّﻫﺪ والتقشّف والتحمّل ﻭﺗﺮﻙ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ. فإذ بأﺣﺪ ﻋﻤّﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ يقاطع الخطيب ﻗﺎئلًا: 

فضيلة الشّيخ، حضرتكم ﺟﺌﺘﻢ إلى المسجد ﺑﺴﻴّﺎﺭﺓ ﻓﺎﺧﺮﺓ، ﻭﻣﻼﺑﺲ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﻤﺎﺵ، ﻭﻋﻄﺮ أخذ ﻳﻔﻮﺡ في رحاب ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﻓﻲ ﻳﺪﻙ أﺭبعة خواتم بأحجار كريمة، وﻛﻞّ خاتم ﺛﻤﻨﻪ يزيد عن راتبي بالكثير الكثير، ﻭﻫﺎﺗﻔﻚ الخلويّ من نوع "أﻳﻔﻮﻥ 20"، ﻭﺗﺬﻫﺐ إلى العمرة في ﻛﻞّ ﻋﺎﻡ.
ﺳﻴّﺪﻱ، ﺭﺍﻓﻘﻨﻲ ﻳﻮﻣًﺎ ﻭﺍﺣﺪًﺍ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﺍلمسقوفة بالصّاج، كما أﺭﻳﺪﻙ أﻥ تبيت عندي تحت وهج الحرارة وبدﻭﻥ ‏تكييف. ﺛﻢّ ﺗﺼﺤﻮ ﻣﻌﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﺗﻤﺴﻚ ﺍﻟﻤﻜﻨﺴﺔ ﻟﺘﻨﻈّﻒ ﺍﻟﺸّﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺮّ ﺍﻟﺸّﺪﻳﺪ ﻭأﻧﺖ ﺻﺎﺋﻢ، كلّ هذا ﻟﻜﻲ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼّﺒﺮ.
فأنا أﻗﻮﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻛﻞّ ﻳﻮﻡ لأتسلّم ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸّﻬﺮ ﻣﺒﻠﻐًﺎ ﺯﻫﻴﺪًﺍ ﻻ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﻗﻴﻤﺔ ﻗﻨّﻴﻨﺔ ﺍﻟﻌﻄﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﺮﻳﻬﺎ.
ﻋﺬﺭًﺍ ﺳﻴّﺪﻱ ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻨﺘﻌﻠّﻢ ﺍﻟﺼّﺒﺮ ﻓﻬﻮ ﺭﻓﻴﻖ ﺩﺭﺑﻨﺎ، يعيش معنا ونعيش معه منذ أمد طويل. 
ﺣﺪّﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻇﻠﻢ ﺍﻟﺴّﺎﺩﺓ ﻭﺭﻳﺎﺀ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ.
حدّثنا عن البطالة المتفشّية بالمجتمع كالقنبلة الموقوتة.
حدّثنا عن سياسة الإفقار والتّجويع التي تحياها الشّعوب المضطهدة. 
حدّثنا عن الفساد ونهب المال العامّ.
حدّثنا عن الطبقيّة وغياب العدالة في توزيع الثروات.
حدّثنا عن الواسطة والمحسوبيّة وتوريث المناصب، ﻭإلّا ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ بخطبتك...
حبّذا لو أنّ كلّ واحد منّا حذا حذو هذا العامل البسيط، لكنّا في أحسن الأحوال. فكلمة الحقّ تُقال عند سلطان جائر، وعند عالم حائر، وليسمعها كلّ خائر. 
ونختم بقوله تعالى في محكم التنزيل: "وقل جاء الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقًا".
صدق الله العظيم.