يُحكى في سالف العصر والأوان أنّ هناك سلطنة تُدعى "سلطنة الزّمان"، وعلى رأسها سلطان ظالم خوّان يُدعى "جائر بن عصيان"، وقد عُرف عهده بعهد الذلّ والهوان، والظلم والعدوان، والجور والطغيان.
وقد كان في هذه السّلطنة مُفتٍ تقيّ عُرف بالورع وخشية الله ويُدعى "الشيخ صالح الصّادق" الذي كان يثور في وجه السّلطان الجائر ويذكّره بأنّ الله له بالمرصاد، وأنّ الحياة الدنيا ما هي إلّا متاع الغرور. بيد أنّ السلطان العتيّ على الحقّ لم يكن ليرعوي عن فعل المنكرات وظلم الشعب وارتكاب الموبقات السبع.
وذات يوم أراد السلطان أن يتخلّص من المفتي المؤمن فخطّط ودبّر، واستدعى رئيس العسس ليسأله عن أخطر رجال السلطنة وأدهاهم مكرًا، وأكثرهم نفاقًا، فقال له رئيس العسس:
ليس هناك في السلطنة أدهى وأمكر من شخص خسيس يُدعى "الشّرم برم" العصيّ على ملاحقته لدهائه ومكره اللذين لا مثيل لهما على الإطلاق.
ومن فوره أمر السلطان الجائر استدعاء هذا الدّاهية إلى مجلسه الخاصّ.
وفي اليوم الموعود حضر الشرم برم ومثل أمام الجائر الذي خاطبه قائلًا:
إن عصيت أوامري ولم تمتثل لطلباتي سأعلّق مشنقتك الآن.
أمّا إذا امتثلت ونفّذت ما أريد سأغدق عليك المال وسأجعلك الرّجل الأوّل من بعدي.
فما كان من الشّرم برم إلّا أن قال: سمعًا وطاعة يا مولاي، مُرْني وسأمتثل من طوعي وأنفّذ لك كلّ ما تريد.
ابتسم الجائر ابتسامة صفراء وقال:
أريدك أن تتخلّص من المفتي الصّالح.
فردّ الشرم برم قائلًا: سأفعل!
وبدهاء الماكر الرّعديد قام الشرم برم ونفّذ المهمّة بأن طعن المفتي الصالح بخنجر مسموم مصنوع من شجر الزقّوم.
فحزن الشعب المسكين لمقتل الأمين.
وبعد أسبوع من الجريمة النكراء عيّن السلطان الجائر الشرم برم مفتيًا لسلطنة الزمان بصلاحيّات دينيّة وسياسيّة.
لم يكن الشرم برم يعرف الفرائض الخمس ولا أركان الإيمان، إذ كان يطلب من نخب الشعب إقامة الصلاة بحجّة التدريب وإلقاء الخطب والدروس والمواعظ بحجّة التهذيب والتأديب.
شاء القدر أن يموت السلطان الجائر ميتة بشعة إذ تلقّى لسعة من عقرب سامّ لم ينفع معه الترياق ولا عطارة الحلّاق.
ويوم الدفن وبعد صلاة الظهر طلب ابن السلطان من الشرم البرم أن يقيم صلاة الجنازة. وبدهاء منقطع النظير قال له الشرم برم:
الأَولى شرعًا أن تقيم أنت الصلاة وهذه سنّة مؤكَّدة.
خضع الابن للأمر، إلّا أنّه كان داهيًا فطلب من المفتي المنافق أن يلقّنه عند وضع والده في القبر.
انتبه الشرم برم للفخّ المنصوب، إلّا أنّه نفّذ المطلوب بأن نزل إلى القبر ولقّن الجائر في أذنه ثمّ قال:
استغفروا له وهِلوا التراب.
دُهش الابن "ولّي العهد" ممّا فعله الشرم برم واستدعاه إلى القصر في اليوم التالي.
وما إن مثل المفتي المنافق أمام السلطان الجديد حتّى بادره الأخير بالقول:
إن لم تقل لي ماذا قلت لوالدي في أذنه عند التلقين، سأعلّق مشنقتك كي تموت ميتة الخائرين.
وبسرعة الحنكة والثّعلبة ردّ المفتي قائلًا:
إن أعطيتني الأمان أخبرتك وإلّا افعل ما تريد.
وبحشريّة المعرفة أعطى السلطان الجديد للمفتي المنافق الأمان، وقال:
لك عهد الأمان، هات أخبرني ماذا قلت لوالدي؟
أجاب الشّرم برم قائلًا:
لقد قلت له إنّك ذاهب إلى رحاب ربّ عظيم له ملك السماوات والأرض، وسيسألك ماذا فعلت في دنياك وماذا قدّمت لشعبك إبّان حكمك لسلطنة الزّمان؟
وما عليك القول سوى التّالي:
يا ربّ لقد عيّنت عبدك الشرم برم مفتيًا لسلطنة الزّمان، فسيعرف حتمًا أنّها أصبحت في خبر كان!
ولا تطل له الشّرح والوصفَ لأنّه يعلم السّرّ وأخفى.
وختمت قائلًا له:
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
صدق الله العظيم