عندما انتهت الحرب العالميّة الثانية، وبعد ما جرّته من ويلات ومآسٍ، تمّ تسريح الآلاف من الجنود الألمان وسُمح لهم بالعودة إلى ديارهم. وكانوا يقطعون الأميال الكثيرة سيرًا على الأقدام حيث أخذ منهم التّعب والجّوع مأخذًا إلى حدّ الإنهاك.
وفي أحد الطرق البرّيّة كان يعيش رجل عجوز مع حفيدته. وكانت مزرعته ممرًّا للجنود المنهكين.
وذات مرّة طرق أحد الجّنود باب العجوز طالبًا بعض الطعام. فما كان من هذا المسنّ الحكيم إلّا أن قال له:
أنا رجل عجوز وهذه حفيدتي لا زالت صغيرة، وأنا بحاجة لعامل ينقل لي كومة الحطب تلك من طرف الحديقة إلى باب المخزن. فهل بإمكانك نقلها ريثما أعدّ الطّعام؟
قام الجنديّ بما هو مطلوب وتناول طعامه ثمّ انصرف.
في اليوم التّالي طرق الباب جنديّ آخر وطلب الطّعام. فقال له العجوز المحنّك: هل يمكنك نقل كومة الحطب تلك من باب المخزن إلى طرف الحديقة بينما أعدّ الطعام؟
قام الجنديّ بالعمل وتناول طعامه وانصرف.
ظلّت كومة الحطب تنتقل من مكان إلى آخر مع كلّ جنديّ يأتي طالبًا الطعام. فاستغربت الحفيدة ممّا يفعله جدّها مع الجنود وسألته عن سبب تصرّفه فأجاب:
يا صغيرتي الغالية، هؤلاء الجّنود دافعوا عن الوطن. وعلينا واجب الحفاظ على كرامتهم لا أن نحوّلهم إلى متسوّلين.
فحين كان الجنديّ ينقل كومة الحطب ثمّ يجلس إلى المائدة كان يشعر بأنّ كرامته محفوظة كونه أنجز عملًا مهمًّا، ويحسّ أنّه يأكل نظير تعبه.
لا غرو أنّ هذا العجوز الحكيم المنتمي إلى وطنه بدرجة عالية من الذّكاء العاطفيّ والمفعم بالإنسانيّة النبيلة يدرك تمامًا وبعمق ما يختلج في قلب السّائل من خجل وحرج وبعض الذّل.
فهل هناك في وطني الجريح مَن يهتمّ لكرامة جيشه وأمنه وشعبه كما فعل هذا الرجل الحكيم؟
في انتظار الأيّام القادمة، على أمل أن لا نكون "في انتظار غودو"...
