ﻣﺮﺽ أحدهم ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﻻﺯﻡ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ، ﻓﺰﺍﺭه ﺻﺪﻳﻘﻪ الإمام ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲّ، ﻓﻠﻤّﺎ ﺭﺃى ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸّﺪﻳﺪ أﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﺰﻥ، ﻓﻤﺮﺽ بدوره من حزنه الشّديد على صديقه المقرّب جدًّا منه. ﻓﻠﻤّﺎ ﻋﻠﻢ صديقه ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﺎﺳﻚ ﻭﺫﻫﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸّﺎﻓﻌﻲّ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ.
ولمّا ﺭﺁه ﺍﻟﺸّﺎﻓﻌﻲّ ﻗﺎﻝ:
"ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺭﺗﻪُ..
ﻓﻤﺮﺿﺖُ ﻣﻦ أﺳﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ..
ﺷُﻔﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺍﺭﻧﻲ..
ﻓﺸُﻔﻴﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻱ إليه".
وعليه، اغرسوا شجرة الحبّ في أرض الصدق الخصبة، واسقوها بماء المودّة، وجنّبوها رياح الشكّ، وزوابع الأحقاد، والشحناء، والبغضاء.
فالحبّ ليس كلمة تُقال تنطق بها الشفاه، وإنّما أفعال صادقة وتضحيات وفداء وإخلاص ووفاء ونقاء وصفاء، ومشاركة بنّاءة حتّى آخر نفس من رحلة العمر.
نصادف أحيانًا أشخاصًا ونتلاقى معهم، ولا نعرف عنهم سوى أحرف متبعثرة من أسمائهم. بيد أنّه، ومع مرور الوقت، وتوالي الأيّام، والعشرة الطيّبة، وحسن المعاملة، تُحفر أسماؤهم في ذاكرتنا، وتُصبح لهم مكانة خاصّة في قلوبنا وعقولنا، لا بل منهم مَن يصبح جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا، نحترمهم ونجلّهم، ونحبّهم ونشتاق إليهم، ونتلهّف لمقابلتهم، ونحنّ إلى رؤيتهم.
فالأحباب كالأشجار إن تباعدت الأوراق تلاقت الجذور في الأعماق.
أدامهم الله لنا نورًا وهّاجًا، ونبراسًا يضيء عتمة دروبنا، ووفّقهم أينما كانوا، وجازاهم عنّا كلّ خير.
ولهم نقول: تحيّة طيّبة إلى القلوب الصافية النقيّة، وإلى العقول النيّرة الوفيّة.