الأربعاء 25 تشرين الأول 2023 19:14 م |
فلسطين “ملصقًا” يرشح دمًا.. حين يوثّق اللون للجريمة |
* جنوبيات اهتدى الفلسطينيّون باكراً إلى أهمّيّة الملصق السياسيّ في مواءمة قضيّتهم المُثلى والدفاع عنها بوجه عدوّ غاصب وقاتل لم يتوانَ عن اغتيال أصحاب الفكر الفلسطينيّين المؤثّرين في تفعيل القضيّة وفي تجييش الرأي العام الفلسطينيّ والعربيّ وحتّى العالميّ بمواجهة الأكاذيب والإدّعاءات الصهيونيّة التي لم تكتفِ باحتلال الأرض والسيطرة عليها بروايات من الخيال، بل وامتدت يدها الطويلة للنيل من التراث الفلسطينيّ والعادات والتقاليد والتسميات. منذ الستينيّات، ومع تصاعد العمل الفدائيّ، وجد الفلسطينيّون، بقواهم التنظيميّة والسياسيّة المتعدّدة، مناخاً أوسع للحرّيّة الإعلاميّة والإعلانيّة في لبنان، مثلما وجدوا أصداء فكريّة وثقافيّة وفنّيّة ساهمت إلى حدّ كبير في تنامي الدعاية الفلسطينيّة حول حقّهم في النضال والمقاومة بشتّى صنوفها لاستعادة الأرض وتحرير فلسطين. وقد ساهم العشرات من الفنّانين التشكيليّين اللبنانيّين والعرب في مواكبة القضيّة الفلسطينيّة ودعمها من خلال الملصق، فأبدعوا في رسمه وتلوينه أو وضع فكرته وتصميمه، ليساهم في رفد المشروع الوطنيّ الكبير. ملصق للدعاية والحشد لقد مثّل الملصق (البوستر) أفضل أشكال الإبداع الفنّيّ والسياسيّ الذي اعتمدته الفصائل الفلسطينيّة، كواحد من أهمّ الفنون البصريّة التي ابتدعتها الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وكذلك الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، بهدف حشد الجماهير حول قضيّة ما، لا سيّما القضيّة الأمّ، تحرير فلسطين، كما مثّل في الوقت عينه ذروة خطاب التضامن مع الشعوب المضطهدة والقضايا الأمميّة. كانت الجدران واللوحات الإعلانيّة في الحدود الجغرافيّة المتاحة، الفضاء الأسمى والمساحة الأوفر لإطلاق الملصق السياسيّ الذي تزامنت ذروته، مع انطلاق شرارة الحرب الأهليّة في لبنان، منذ العام 1975 واستمرّت نحو 15 عاماً متواصلة. لذلك ضاقت بعض المساحات أمام الملصق الصادر عن جهة سياسيّة أو تنظيميّة ما، بسبب تقاسم الساحات والأحياء بين القوى المختلفة والحليفة، بينما لاقت بعض الملصقات انتشاراً واسعاً يوازي المساحات الجغرافيّة التي يتوزّع على امتدادها نفوذ هذا الطرف أو ذاك. اليوم لم يعد الملصق بحاجة إلى جدار اسمنتيّ لكي يعبّر عن مكوّنه السياسيّ أو الثقافيّ أو الدعائيّ، فمع تنامي الـ”سوشيال ميديا” (Social media) واتّساع فضائه إلى حدود الدنيا كلّها، صار من السهل جدّاً لصق الإعلان أو الفكرة أو الدعاية على صفحة ما لتأخذ طريقها السريع إلى الإنتشار، خصوصاً إذا كانت تحمل مضامين سياسيّة وإنسانيّة. الفنّانون الأوائل مبدعو ملصقات القضيّة اشتغل الفنّان التشكيليّ الدكتور حسين ياغي طويلاً إلى جانب الفنّان المعروف والمصمّم إميل منعم في صناعة وتأليف ورسم الملصقات السياسيّة للمقاومة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة بمختلف فصائلها وتنظيماتها. ثابر على تعزيز الملصق السياسيّ الفلسطينيّ في عزّ تجلّياته، حشدٌ من الفنّانين اللبنانيّين والعرب أمثال: إسماعيل شمّوط وعبد الرحمن المزيّن وعمران القيسيّ ورفيق شرف وجميل ملاعب وبّول غيراغوسيان وناظم إيراني وشربل فارس ونبيل قدوح ويوسف عبدلكي وكميل حوّا وعارف الريّس وبيار صادق وحلمي التوني ومحمّد اسماعيل وحسيب الجاسم ومحمود زين الدين ومحمد موصللي فضلاً عن أسماء أخرى وفنانين لم يوقّعوا أسماءهم على أعمالهم لأسباب أمنيّة أو وظيفيّة أو غيرها. يؤكّد الفنان حسين ياغي “القيم المعنويّة والسياسيّة والثقافيّة التي رافقت مهمّة الملصق السياسيّ الفلسطينيّ والتي بقيت حيّة إلى اليوم، بعد خمسين أو أربعين أو حتّى ثلاثين عاماً على صدورها الأوّل. وتكمن أهمّيّة الملصق ببساطته وسرعة وصول فكرته ومضامينه ودعايته، إلى المتلقّي”. ويقول في حديث إلى “مناطق نت”: “الفيديو قصّة وحدث، وكذلك الصورة الفوتوغرافيّة، ولهما تأثيرهما الفاعل، من لحظات المشاهدة إلى أوقات متفاوتة، لكنّ الملصق فكرة، من خطوط متواضعة، من ألوان، ولوحة غير معقّدة، وهذه الفكرة يجب أن تصل إلى المشاهد بسرعة فائقة، ربّما في غضون لحظات. الملصق يدوم إلى عمر مديد وطويل كونه يتحوّل إلى لوحة، وربّما إلى أيقونة أحياناً”. عن عهد الملصق في مواكبة القضيّة الفلسطينيّة وصراع الحرب الأهليّة اللبنانيّة يقول ياغي: “كانت المطابع لا تهدأ، شغّالة بعشرات الملصقات، بل قلّ بالمئات، في صناعة جميلة كانت تغطّي الجدران، إذ لم يبقَ جدار واحد في بيروت إلّا وشهد على ملصق ما. لكن من أسف شديد، حُفظ بعض هذه الملصقات وضاع بعضها الآخر. أنا شخصيَّا لي العديد من أعمال الملصقات، بحثت عنها طويلاً ولم أعثر على نسخة واحدة”. لعب الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت في العام 1982 دوراً في ضياع عشرات الملصقات، بسبب تدمير المراكز الفلسطينيّة ومكاتب المنظّمات ومكتباتها، ناهيك عن المعارك الداخليّة بين الأحزاب والقوى المتصارعة على الساحة اللبنانيّة التي كانت سبباً رئيساً في تلف عشرات الملصقات. ومع ذلك “لن ينكفئ عصر الملصق السياسيّ أبداً، طالما أنّ هناك قضايا وإعلانات وبيانات. قالوا مرّة انتهى عصر الفنون التشكيليّة، إلّا أنّها لم تنتهِ بل تطوّرت وتعدّدت أبوابها. قالوا كذلك عن الأدب ولم ينتهِ، واليوم مع التطوّر الهائل للتكنولوجيا وعصر الـ”ميديا”، صارت مساحة الملصق أكبر بكثير على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وبرأيي، كلّ فكرة ولو من كلمات قليلة تُنشر على هذه الصفحات هي بمثابة ملصق، حتّى لو كانت خارج إطار الملصق السياسيّ أو الفكرة الدعائيّة المراد إيصالها”.
ويتابع ياغي: “دعنا نحكي اليوم عن الفكرة السياسيّة والقضيّة التي نحن بصددها، قضيّة فلسطين، التي ستجد حتماً في مواقع التواصل الاجتماعيّ جدرانها الافتراضيّة المعزّزة. هكذا كانت آمالنا منذ جهدِنا الأوّل في ملصقات فلسطين والخطاب الذي كان يجب إيصاله إلى الناس، لفهم حقيقة هذا الصراع والدلالة على همجيّة العدو وعدوانه، منذ احتلاله فلسطين، أيّ منذ النكبة وحتّى تاريخ ما يجري أخيراً في غزّة الجريحة”. في الحصار المستمرّ على غزّة منذ أكثر من 17 عاماً، وجد الفنّانون والمبدعون الفلسطينيّون مساحتهم لبثّ أفكارهم وهواجسهم ونشرها، دفاعاً عن غزّة وعن فلسطين بوجه “بروبّاغاندا” إسرائيليّة كاذبة ومدعومة من فضاء تلفزيونيّ وإعلاميّ عالميّ واسع. اليوم ومع احتدام العدوان البربريّ على غزّة، الممعن في ارتكاب المجازر اليوميّة، لا سيّما بحقّ المواطنين الآمنين العزّل في بيوتهم وحاراتهم، بحقّ الأطفال والنساء والمسنّين، بما يجافي القوانين والأنظمة العالميّة وشرعة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتّحدة، وهي ليست بجديدة على غزّة التي عانت الأمرّين بسبب الاعتداءات والإجتياحات المتلاحقة، إنّما تكمن شراستها هذه المرّة في هذا التأييد العالميّ الغربيّ وحتّى العربيّ لإسرائيل في ما ترتكبه، بعدما اطلقت يدها تحت عنوان “حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. مع بدء العدوان على غزّة، ضاقت واجهات الـ”سوشيال ميديا” بصور المجازر والشرائط المصوّرة والحكايات الإنسانيّة المترتّبة عنها. وهرباً من وجع صور المذابح ومشاهدها المهُولة، برز دور الملصق السياسيّ من جديد، من خلال الاستعانة بملصقات قديمة تعبّر بفحواها عن الأفكار التي لم تزل حيّة، طالما أنّ القضيّة الفلسطينيّة ما زالت حيّة مفتوحة على الاحتمالات. كذلك أطلق العشرات من الفنّانين الفلسطينيّين والعرب والعالميّين، العنان لأفكارهم في الدفاع عن قضيّة غزّة وإبراز مضامينها المأسويّة، إنّما من خلال النصّ واللون والرسم، إذ يلقى هذا الفنّ تجاوباً عالميّاً وإعادة نشر، أكثر ممّا تتضمّنه الصورة الحقيقيّة من وجع وألم ومشاهد دمويّة مستفزّة. يدأب الفنّان التشكيليّ الفلسطينيّ رائد القطناني، من مقرّ إقامته في العاصمة الأردنيّة عمّان، على إصدار مجموعة من الملصقات المعبّرة عن الحرب المفروضة على غزّة وما يحصل من مجازر بحقّ الأطفال والنساء والعائلات، إنّما بمضامين إنسانيّة لحالات مأسويّة برزت في إبّان العدوان، أبكتِ الإنسانيّة وأدمتها، ولم تبكِ الضمير العالميّ الساكت عن الشرّ، وهو القادر على إيقاف هذه المذبحة المفتوحة. يقول الفنّان القطناني في اتّصال معه: “أنا أرى أثر الملصق السياسيّ، البوستر، أقوى بكثير من الصورة. الصورة تنقل الواقع، لكن في الملصق ثمّة تلاعب أو اختيار أو انتقاء لما أريده من الواقع. مثلاً: ملصق الرجل الذي يحمل عائلته وأبناءه أشلاءً في كيسين، علّقت عليه بكلمتين اثنتين: “صورة عائليّة” ونشرته باللغة الإنكليزيّة كذلك بعبارة “Family Photo”. ويتابع القطناني: “أنا لم أقم بنسخ صورة الوالد أبداً، كما فعل العديد من الفنّانين، أنا رسمته رجلاً عاديّا يرتدي الزيّ الفلسطينيّ القديم، يلبس الجاكيت (السترة) الطويلة، ويحمل أكياساً، كأنّه آتٍ لتوّه من السوق، بالرغم من البؤس الواضح في وجهه. ما أعطى قوّة لهذا العمل هي جملة التعليق “صورة عائليّة”. هذه الفكرة لا يمكن قراءتها بالصورة الحقيقيّة، لأنّ الصورة الأصليّة ليست انتقائيّة، هي ناقلة للواقع، لكن، أنا أنتقي من الواقع ما أحتاجه لتجييش المشاعر”.
ويضيف القطناني: “نحن بحاجة إلى تهييج المشاعر وتجييشها باتّجاه معيّن، بالتركيز على موضوع محدّد فيها، والضخّ من خلال الـ”سوشيال ميديا” الذي لم يعد هيّناً. الناس من خلال بوستر بسيط يمكن أن تحرّك جحافل وجيوشاً، من خلال رسمة بسيطة. الصور متعدّدة ومؤثّرة، لكن عندما أكون انتقائيّاً سيكون المراد أكثر تركيزاً، وخصوصاً في هذه الفترة، مع بروز قوّة وسائط التواصل الاجتماعيّ وتأثيرها، وإلّا لما هذا التضييق على الحسابات التي تناصر قضيّة غزّة وإغلاقها وتسكيرها؟”. يقول التشكيليّ الأردنيّ غسان مفاضلة: “ترتبط عودة الملصق بروحيّته الجديدة إلى واجهة الحدث الفلسطينيّ، بالطور الانتقاليّ الذي شهده مع الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في العام 1987، إذ ظلّ قبل ذلك يستعير أدواته وتعبيراته بشكل مباشر من المدارس التشكيليّة المعاصرة، ويدور في فلك الأفكار المعلّبة والمنجزة سلفاً، فيما التغيّرات الجذريّة التي طالته بعد الانتفاضة، على مستوى التعبير والتكوين، جعلت منه جزءاً رئيسيّاً من الميديا الحديثة، وأصبح منذ ذلك الحين مسرحاً للأفكار الجريئة التي تعاملت مع المرجعيّات الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة بحسّ نقديّ، وانفتحت على مخيّلة خصبة في التقاطها لتفاصيل المشهد الفلسطينيّ”. ويضيف: “إنّ التداعيات البصريّة التي صاغتها ملصقات غزّة وهي تتعقّب التجلّيات الرمزيّة والتعبيريّة على أرض الواقع، وعبّرت عنها من خلال الخطّ واللون والكلمة والصورة الضوئيّة والتقنيّات الرقميّة، بلغة بصريّة تتّسم بالإختزال والوضوح؛ ساهمت في الكشف عن بشاعة الجرائم الإسرائيليّة، وعزّزت روح المقاومة والتحدّي على أوسع نطاق، وقدّمت على نحو غير مسبوق خطاباً بصريّاً عابراً للحدود”. وعن المكوّنات التي أغنت الملصقات الناطقة بمأساة غزّة، يقول الفنّان مفاضلة: “ملصقات غزة الطالعة من أتون الحرب، استفادت من معطيات الفنّ التشكيليّ، والفنّ الفوتوغرافيّ، والغرافيك، والتقنيّات الرقميّة المتنوّعة، ومن تراكم الخبرة والتجربة، ومن الموروث الفلسطينيّ بمكوّناته البصريّة والشفويّة وعناصره التاريخيّة؛ فجعلت من الملصق الذي وسمته بالتفرّد والثراء، علامة راسخة في اختبار الزمن وتقلباته، وانتقلت به إلى مرتبة السيرة الساردة لعلاقة الإنسان الفلسطينيّ مع ذاكرة المكان وجسده الجريح، منذ النكبة الأولى، وحتى آخر جملة في الدّرس المفتوح على سُبات الضمير وليله الطويلّ”. نجاح الملصق السياسيّ الفلسطينيّ بريادته ينظر الفنان التشكيليّ والنحّات شربل فارس (له العديد من الملصقات السياسيّة حول القضيّة الفلسطينيّة) إلى أهمّيّة الملصق من زاويتين اثنتين: الأولى، من الظروف التي ساقت إلى اعتماد الملصق وتاريخه، وكان لبنان يصدّر أهمّ ملصق في العالم العربيّ، وحاجته إلى وعي ثقافيّ وسياسيّ، ليعتمد على الوصول أكثر منه على المحتوى الفنّيّ. أمّا الزاوية الثانية، فإنّ الملصق السياسيّ في لبنان وفلسطين كان رياديّاً أكثر منه نخبويّاً. ولذلك لاقى نجاحاً ورواجاً لافتين. ولا ننسى هنا لجوء الجيش اللبنانيّ إلى الملصق لتعميم أفكار وحدته ودعوته اللبنانيّين إلى الإلتفاف حوله كقوّة جامعة في لبنان، تنظر إلى جميع اللبنانيّين بعين واحدة، وقد نجح بذلك إلى حدّ ما”. ويضيف فارس إلى “مناطق نت”: “يجب أن يعود الإزدهار إلى الملصق السياسيّ حتّى لو كانوا قلّة من يعرفون أهمّيّته وجدواه، فالناس تحتاج إلى لغة مباشرة، ولن يؤدّي هذه اللغة إلّا الملصق السياسيّ، لذلك يجب أن يرتفع أكثر فأكثر”.
يرى شربل فارس في الملصقات التي نُشرت حول “الوالد الغزّاويّ الذي جمع أشلاء عائلته في كيسيّ نفايات، هي أشدّ وقعاً من صوَر الجماجم والأشلاء وفداحتها، لأنّها مستفزّة بكلّ ما للكلمة من معنى. لذلك يلعب الملصق الدّور الفاعل في إيصال الفكرة التي يمكن للجميع رؤيتها ومعاينتها أو تحليلها، بدلاً من التمعّن في صور الأشلاء والموت والدماء، الجميع يقفون أمام تأثير البوستر وديمومته أكثر من الصورة المباشرة. نعرف اليوم أنّ الصحف ووسائل الإعلام تتحاشى نشر صور القتلى والأشلاء وأنا معهم، لكن ثمّة من مساحة للملصق ومدلولاته السياسيّة”. لم يكن ذاك الوالد الفلسطينيّ يتوقّع يوماً أن يعيش هذه اللحظة الكارثيّة التي وثّقتها المشاهد المصوّرة من “مستشفى الأهليّ المعمدانيّ” في غزّة. إذ فقد الوالد فلذات كبده إثر قصف عنيف طاول المستشفى، ولم يتبقَّ من صغاره إلّا أشلاء، جمعها الأب في أكياس من النايلون تمهيداً لدفنها. وحينما وصل إلى المشرحة بدأ بالصراخ وهو يدلّ على ما في يده قائلاً: “أولادي ماتوا.. هيّاهن كلّن هون.. ماتوا جمعت أشلاءهم بأكياس”.
وعلى الرغم من أنّ مثله كثيرين، فإنّ هذا المشهد المروّع للأب الفلسطينيّ المكلوم، هزّ مواقع التواصل الاجتماعيّ لقساوته، خصوصاً أنّ دموع الأب المكلوم لم تجفّ، وكذلك صرخات غضبه. سؤال واحد طرحته والدة الطفل يوسف محمّد حميد وهي تبحث عن ابنها الجميل في أحد مستشفيات غزّة، حيث يعمل الوالد طبيباً فيه: “يوسف، ابني، عمره 7 سنين، شعره كيرلي، وأبيضاني، وحلو”، كان كفيلاً في أن يتصدّر واجهات مواقع التواصل الاجتماعيّ ويُبكي الملايين في كلّ العالم، على واحدة من أمّهات غزّة، ممّن فقدن فلذاتهنّ وأطفالهنّ.
فقدت أمّ يوسف صغيرها، في تلك اللحظة التي راحت تبحث له عن طعام. خبّأته خلف الباب وأوصته بألّا يخرج، فعادت لتجد أنّ ابنها والباب صارا في المجهول. لقد تحوّل الطفل البريء يوسف إلى أيقونة الملصقات التي انتشرت كالنار في الهشيم، تحمل رسمه بأشكال ورؤى متعدّدة، وتحمل قضيّته، وتسعى كلّها إلى بثّ هذه المظلوميّة التي عانت تحت وطأتها عائلة يوسف، مثلما عانت كلّ عائلة فلسطينيّة غزّاويّة بمواجهة عدوّ لا يرحم، بل يمعن في ارتكاب المذابح والمجازر عن سابق إصرار وتصميم. انتشر فيديو صادم ومؤثّر لطفلة فلسطينيّة منهارة تبحث عن أمّها الشهيدة، انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، حيث جذب تعاطف الناس وتأثّرهم بحالتها. وكشفت اللقطات كيف تعرّفت الطفلة على جثّة أمّها من شعرها، حيث صرخت قائلة “هاي أمّي أعرفها من شعرها”، ليواسيها والدها وهما يبكيان بحرقة. وتطالب الفتاة برؤية أمّها، وهي تبكي بألم وتقول إنّها غير قادرة على العيش بدونها، “متمنّية من الله لو أخذني معها”. ثم تقول: “ما اكتفوش، موّتوا ستّي وموّتوا عمّتي وأمّي وأختي، بعرف إنهم شهداء، بس أنا مش قادرة، إحنا إيش سوينالكم”. وقد نشر الفنّان رائد القطناني ملصقاً مؤثّراً يحمل عبارة “بعرف أمّي من شعرها” وكيف يغدو شعر أمّ الطفلة إكليل زيتون وغار يرفرق فوق البيوت الفلسطينيّة في غزّة والقدس. المصدر :مناطق نت |