يُروى في صفحات الزّمان والمكان
أنّ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ الكرام استدعى بعض ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺮه، ﻓﺼﺎﺩﻓﻬﻢ ﺷﺎﻋﺮٌ ﻓﻘﻴﺮ ﺑﻴﺪه ﺟﺮّة ﻓﺎﺭﻏﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻮجّهًا ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ النّهر ﻟﻴﻤﻸﻫﺎ ﻣﺎﺀ.
فما كان منه إلّا أن رﺍﻓﻘﻬﻢ حتّى ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ. ﻭﻗﺪ ﺑﺎﻟﻎ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻓﻲ ﺇﻛﺮﺍﻣﻬﻢ ﻭﺍﻹﻧﻌﺎﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ.
ﻭﻟﻤّﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺮّﺟﻞ الذي يحمل ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺍلجرّة ﻭيلبس ﺛﻴﺎبًا رثّة، ﺳﺄﻟﻪ:
ﻣﻦ ﺃﻧﺖ؟ ﻭﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟
ﻓﺄﻧﺸﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ :
ﻟﻤّﺎ ﺭﺃﻳﺖُ ﺍﻟﻘــﻮﻡ ﺷﺪّﻭﺍ ﺭﺣﺎﻟﻬﻢ...
ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮﻙ ﺍﻟﻄَّﺎﻣﻲ ﺃﺗﻴﺖُ ﺑﺠﺮّﺗﻲ...
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ:
ﺍﻣﻸﻭﺍ ﺟﺮّﺗﻪ ﺫهبًا ﻭفضّةً. ﻓﺤﺴﺪه ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻠﻤﻠﻚ:
ﺇﻧّﻪ ﻓﻘﻴﺮٌ ﻣﺠﻨﻮﻥ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﺃﺗﻠﻔﻪ ﺃﻭ ﺿﻴّﻌﻪ. ﻓﺮﺩّ ﺍﻟﻤﻠﻚ:
ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺀ.
مُلئت ﺟﺮّة الفقير ﺫهبًا، فخرج ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ وفرّق ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ الكثير من ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ.
ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎه ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ:
ﻳﺠﻮﺩُ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻭﻥ ﺑﻤﺎﻟﻬﻢ..
ﻭنحنُ ﺑﻤﺎﻝِ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻳﻦ ﻧﺠﻮﺩُ..
ﻓﺄُﻋﺠﺐ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺑﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ، ﻭﺃﻣﺮ ﺃﻥ ﺗُﻤﻸ ﺟﺮّﺗﻪ ﻋﺸﺮ ﻣﺮّﺍﺕ، ﻭﻗﺎﻝ:
ﺍﻟﺤﺴﻨﺔُ ﺑﻌﺸﺮ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ.
ﻓﺄﻧﺸﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻫﺬه ﺍﻷﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ تمّ تداولها لسنوات طويلة:
ﺍﻟﻨّﺎﺱُ ﻟﻠﻨّﺎﺱِ ﻣﺎ ﺩﺍﻡَ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀُ ﺑِﻬِﻢُ...
ﻭﺍﻟﻌُﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴُﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕٌ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕُ...
ﻭﺃﻛﺮﻡُ ﺍﻟﻨّﺎﺱِ ﻣﺎ ﺑﻴﻦَ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞٌ...
ﺗُﻘﻀﻰ ﻋﻠــﻰ ﻳﺪِه ﻟﻠﻨّﺎﺱِ ﺣﺎﺟﺎﺕُ...
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦَّ ﻳـﺪَ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑِ ﻋﻦ ﺃﺣﺪٍ...
ﻣﺎ ﺩُﻣﺖ ﺗﻘــﺪِﺭُ، ﻭﺍﻷﻳّﺎﻡ ﺗﺎﺭﺍﺕُ...
ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻُﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ...
ﺇﻟﻴﻚَ ﻻ ﻟﻚَ ﻋِﻨــﺪَ ﺍﻟﻨﺎﺱِ ﺣﺎﺟﺎﺕُ...
ﻓﻤﺎﺕَ ﻗﻮﻡٌ، ﻭﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋِﻠﻬــﻢ...
ﻭﻋﺎﺵَ ﻗﻮﻡٌ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨّﺎﺱِ ﺃﻣﻮﺍﺕُ...
ونختم بالقول المفيد، ومنه نستزيد:
"ﺍﻟﺘﻠﺬّﺫ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎﺀ ﻭﻗﻀﺎﺀ ﺣﻮﺍﺋﺞ ﺍﻟﻨّﺎﺱ ﻻ ﻳﻌﺮفهما ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻌﻈﻤﺎﺀ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ".