جمعتني بالأخ والصديق ورفيق العمر بهاء الدين عيتاني مقاعد الدراسة، ورحلة العمر الطويلة على طريق العمل الثقافي والتلاقي الوطني والنضال القومي، فحملنا معاً راية العروبة وحب لبنان وتعلقاً بفلسطين والدفاع عن قضايا الأمة في هذه الرحلة التي بدأت في مسيرات التأييد لوحدة مصر وسوريا، ولثورة الجزائر، ولمناهضة الاحلاف والمشاريع الاستعمارية الرامية الى تصفية قضية فلسطين طيلة خمسينيات وستينيات القرن الماضي لتستقر في ثمانينيات القرن في منزل استاذنا الراحل منح الصلح حيث جمعنا "اللقاء الوحدوي" الذي كان احد ثماره تأسيس "دار الندوة" في مثل هذه الايام عام 1988.
في تلك الرحلة المليئة بالامال والالام، بالانتصارات والخيبات، بقي ابو محمد ثابتاً على مبادئه، معبّراً عن روح بيروت العربية المقاومة التي ما تنازلت يوماً عن حق وما تهاونت في مبدأ.
كان بهاء الدين عيتاني وفياً للقيم التي نشأ عليها في منزل والده المربي الكبير عبد اللطيف عيتاني، وبصحبتة اشقاء كرام على رأسهم الصديق العزيز الراحل رياض عيتاني صاحب الايادي البيضاء في العمل الانساني والايماني على اكثر من صعيد، وكان بهاء رصيناً هادئاً كارهاً للصخب والضجيج الذي يملأ حياتنا السياسية والعامة، حريصاً أن يكون جسراً بين اللبنانيين، وحدوياً بين العرب، لذلك انتخبته بيروت نائباً عنها عام 1996، ومنحته كتلة محترمة من الاصوات اعطاها له بعض من اصدق ابنائها الذين كان قلب بهاء الدين، كما مكتبه مفتوحاً لهم، ساعياً الى خدمتهم، ورفع المظالم عنهم.
أن نودع اليوم بهاء الدين عيتاني اليوم، هو أن نودع جزءاً من تاريخنا، وجزءاً من تراثنا، وجزءاً من مدينة سكنت جوارحنا وعقولنا قبل ان نسكنها، وجزءاً من روح لبنانية صادقة بتنا نفتقدها في زمن العصبيات وخطاب الاقصاء والتناحر، وجزءاً من أمة تنزف اليوم ألماً ودماً مع ابنائها في غزة وعموم فلسطين، وفي جنوب لبنان وعلى امتداد الوطن.