هذه القصّة أخبرنيها أحد الأطبّاء الجرّاحين وهو من خيرة الأصدقاء، يحدّثني فيها عن القضاء والقدر، خيره وشرّه.
يقول:
ذات يوم كان أحد الطلّاب ﻓﻲ ﻛﻠّﻴّﺔ الطبّ يقف أمام مدخل ﺍﻟﻜﻠّﻴّﺔ يتسامر ﻣﻊ زملائه، ﻭإذ بسيّارة تأتي مسرعة فصدمته دونًا عن غيره.
تمّ نقله على وجه السرعة إلى ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، وهناك أُبلغ من الطبيب المشرف على حالته أنّ إحدى كليتيه تنزف، ﻭيجب أن ﻳﺴﺘﺄﺻﻠﻮﻫﺎ ﻓﻮﺭًا ﻭإلّا ستتسبّب ﻓﻲ وفاته. وعليه أن ﻳﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻠﻴﺘﻪ ﺍلتي ستُستأصل فيعيش، أﻭ تبقى فيموت، فاختار أن تُستأصل.
ﻭﺑﻌﺪ ثمان وأربعين ساعة، وبينما ﻫﻮ ﻓﻲ غرفة العناية يعاني حالة الاكتئاب على ما أصابه، ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺠﺮّﺍﺡ ﺍلذي أجرى له ﺍﻟﻌﻤﻠﻴّﺔ ﻭﻫﻮ ﻣُﺒﺘﺴﻢ ﻭﻳﻘﻮل ﻟﻪ:
هل سمعت مقولة ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ؟
ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ الحزين يجيب:
أجل ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ لكنّي ﺧﺴﺮﺕ كثيرًا، خسرت إحدى كليتيّ.
ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ:
أﻧﺎ ﻛﻨﺖ مثلك أسمع عن القضاء والقدر، إلى حين ما شاهدته معك ﻭنحن نجري لك ﺍﻟﻌﻤﻠﻴّﺔ، إذ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﺴﻴﺞ ﻏﺮﻳﺐ في الكلية التي استأصلناها، فلقد أرسلناها إلى المختبر للتحليل، وتبيّن أنّه كان هناك ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺗﻐﻴّﺮﺍﺕ ﻟﻠﺨﻼﻳﺎ ﻓﻲ طريقها إلى ﻧﺸﺎﻁ ﺳﺮﻃﺎﻧﻲّ والتي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗُﻜﺘﺸﻒ إلّا ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺘﺄﺧّﺮﺓ ﺟﺪًّا، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻫﻲ الثّمن.
ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ:
هل تقصد ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ أﻥّ ﺍلسّيّارة ﺍﺧﺘﺎﺭﺗﻨﻲ ﻭﺣﺪّﺩﺕ ﻣﻜﺎﻥ ﺍلإﺻﺎﺑﺔ بالضبط لآخذ ﻓﺮﺻﺔ ثانية ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ؟
ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ:
تخيّل!
هل تعتقد أنّها ﺻﺪﻓﺔ؟
إنّها مشيئة الله سبحانه وتعالى، قدّر الله وما شاء فعل، وهو اللطيف الخبير.
ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻭﻫﻮ ﻣُﺒﺘﺴﻢ:
أﻛﻴﺪ هذا ﻗﻀﺎﺀ الله وﻗﺪﺭه، فحمدًا لله دائمًا وأبدًا.
وعليه،
ﻟﻮ ﻋﻠِﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻛﻴﻒ ﻳُﺪﺑّﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺃﻣﻮﺭه لعلم علم اليقين ﺃﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻣِّﻪ ﻭﺃﺑﻴﻪ، ﻭﻟﺬﺍﺏ ﻗﻠﺒﻪ ﻣَﺤَﺒّﺔً لله.
يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
"وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرّ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
صدق الله العظيم.