الاثنين 6 تشرين الثاني 2023 06:59 ص |
"إسمع واعتبر"! |
* جنوبيات يحكى في زمن الإنصات أنّ أحد القضاة ﺳﻤﻊ ﺃﻥّ ﺷﺎبًّا ﻳﺘﺤﺪّﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺰّﻫﺪ والاكتفاء. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬه: ﻫﻠّﻤﻮﺍ ﺑﻨﺎ ﻧﺬﻫﺐ إليه ﻓﻨﺴﺄله عن بعض المسائل، ﻓﺈﻥ ﺃﺟﺎﺑﻨﺎ بالإقناع ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﺴﺘﻤﻊ، وإن لم يحسن الإجابة تركناه، علّه يعود إلى رشده. ﻓﻠﻤّﺎ ﺩﺧﻞ القاضي ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ مع تلامذته بادر الشابّ بالسّؤال: أيّها الشابّ، هلّا ﺃﺧﺒﺮتني ﻋﻦ ﺍﻟﺼّﻼﺓ؟ ﻓﺮﺩّ الشابّ قائلًا: ﺃﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ ﺃﻡ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴّﺘﻬﺎ؟ ﻓﺘﻌﺠّﺐ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ: عجبًا، ﺳﺄﻟﻨﺎه ﺳﺆﺍلًا، ﻓﺠﻌﻠﻪ اثنين! ﺛﻢّ ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﻦ ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ؟ ﻓﻘﺎﻝ الشابّ: ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻭﺗﻤﺸﻲ ﺑﺎلاﺣﺘﺴﺎﺏ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﺑﺎﻟﻨﻴّﺔ، ﻭﺗﻜﺒّﺮ ﺑﺎﻟﺘﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺗﻘﺮﺃ ﺑﺎﻟﺘّﺮﺗﻴﻞ، ﻭﺗﺮﻛﻊ ﺑﺎﻟﺨﺸﻮﻉ، ﻭﺗﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﺨﻀﻮﻉ، ﻭﺗﺘﺸﻬّﺪ ﺑﺎﻹﺧﻼﺹ، ﻭﺗﺴﻠّﻢ ﺑﺎﻟﺮّﺣﻤﺔ. ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ: وهلّا أﺧﺒﺮتنا ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴّﺘﻬﺎ؟ فأجاب الشابّ: ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺣﺎﺟﺒﻴﻚ، ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻧﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻚ، ﻭﺍﻟﺼّﺮﺍﻁ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻚ، ﻭﺍﻟﺠﻨّﺔ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻚ، ﻭﺍﻟﻨّﺎﺭ ﻋﻦ ﺷﻤﺎﻟﻚ، ﻭﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺧﻠﻔﻚ ﻳﻄﻠﺒﻚ وﻻ ﺗﺪﺭﻱ. ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺃقُبلت ﺻﻼﺗﻚ ﺃﻡ ﺭُﺩّﺕ ﻋﻠﻴﻚ؟ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ: ﻣﻨﺬ متى وأنت ﺗﺼﻠّﻲ ﻫﺬه ﺍﻟﺼّﻼﺓ؟ رﺩّ الشابّ والدمع اغرورق في عينيه: ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ. ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ إلى من معه وﻗﺎﻝ: ﻫﻠﻤّﻮﺍ ﺑﻨﺎ نقضِ ﺻﻼﺓ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻀﺖ. لقد كان هذا القاضي ممّن سمع واعتبر، وليس ممّن سمع فأنكر، حتّى إذا جاءت ساعته وهو يحتضر قال: ليتني أرجع فأعمل صالحًا. إنّها كلمة "ربّ العزّة" في محكم تنزيله: "حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعونِ لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت، كلّا إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون".
اللهمّ اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه. اللهمّ اجعلنا ممّن تولّيتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهمّ اجعلنا ممّن يقيم الصّلاة بآدابها وكيفيّتها. آمين يا ربّ العالمين. المصدر :جنوبيات |