ما كنت أحسبني أحيا إلى زمنٍ أرى فيه الرّعاع يتطاولون على ناشري النّور والإشعاع...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه الرويبضة الذي يتكلّم في أمر العامّة يتحدّث في الأدب والشّعر والأقصوصة والحكايات...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه لصّ الفكرة يتسلّل في جنح الظّلام ليسرق جهد غيره وينسبه إلى نفسه...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه منتسب النّسب يخرج عن عادات أجداده بلا سبب...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه مدّعي المعرفة والكياسة يخرج عن أطر آداب اللغة العربيّة ومفرداتها ليخبرنا بمقالاته اللاذعة أخبار السّاسة والسّياسيين، مستعينًا بمخزون غيره الأمين...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه من يتباهى بالتّأليف ويتماهى مع التّحريف ينتظر غيره ليعطي ما عنده، ثمّ ينقضّ كانقضاض الذّئب على فريسته ليشبع نهم جوعه للفكرة، وشجعه للعبرة...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه من يدّعي الصّحافة والتّحرير يخرج عن فقه التّعبير ويدخل في كنه التّعتير...
وما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه (لزامًا عليّ) أن أردّ الأذى عن نفسي، أنا الذي دافعت عن حقوق الآخرين لأكثر من أربعين سنة من عمري الذي هو بيد الله...
وأخيرًا وليس آخرًا ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه مشهديّة سرقة الأفكار تشعل النّار في غمار الكلمات الدلاليّة والعبارات الجماليّة...
ذات يوم سألت والدي ومعلّمي وقدوتي من هم لصوص الأفكار؟!
فأجابني "طيّب الله ثراه":
"يا ولدي، لصّ الفكرة هو الذي يسرق أفكار غيره ومنجزاته وينسبها لنفسه، من دون أن يذكر جهوده بأي شكل من الأشكال"!
رحمك الله يا أبي وجعل مثواك الفردوس الأعلى مع النبيّ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
واليوم أقول لك في عليائك إنّ هناك من تطاول على الذّات، حبًّا بالشّهرة والملذّات، وحاول دخول عرين الأسود (بلا إحم أو دستور) ظنًّا منه أنّه باقتباسه على حدّ زعمه سيصبح من كبار الأدباء والكتّاب، وأنّه سيدخل كتاب غينيس في إعداد القصص والحكايات والطّرائف والرّوايات، فيشطح عن المئة ويدخل في غمار مسار "مغارة ألف ليلة وليلة" نحو الشّهرة العالميّة.
إلى هذا أقول بالمختصر المفيد، ولكي لا أزيد، وأدخل في المزيد، وسألوّح الآن من بعيد مستعينًا بقسم جدّي المصطفى:
"والذي نفس محمّد بيده"، إن لم تعد إلى رشدك وتلتزم بأدبيّات مهنتك سأعلن على الملأ ما فعلته، ومعي كلّ المستندات الموثوقة والتي لا يرقى إليها الشّكّ، بالتّاريخ السنويّ والشهريّ واليوميّ، وكيف اقتبست المقالات وأخذت الحكايات وأوردت الرّوايات، وقصصت أحسن القصص مدّعيًا أنّها من بنات أفكارك، ونتاج جهدك وإعصارك، ولكن:
هل علمت أنّني من ابتكر التّسميات، وأطلق العنان للمفردات؟
هل تعرف عناوين دولة كونكان الديمقراطيّة، وغيرها الكثير؟
يبدو أنّك لا تعرف ماذا ينتظرك؛ أسواري عالية لا يمكنك تسلّقها، وكلماتي نافذة ليس بإمكانك تملّقها...
هل تعرف أن أكثر من ثمانين في المئة من مقالاتي قمت باختراعاتها تحت عناوين لدول وهميّة، ولأسماء صوريّة، وأنا رجل القانون الذي يعرفني القاصي والدّاني ويعلم علم اليقين وبكلّ فخر واعتزاز من هو "جمال الحلو" سليل الدّوحة النبويّة الشّريفة.
هل تعلم أنّني من ابتكر أسماء:
وادي الغربال، وشفطستان، وبلاد ما بين الجبلين، وإمارة فقرستان، وجمهورية الكونكان، وغيرها الكثير من دول التعتير.
هل تعرف أنّني من اخترع أسماء:
عطوان الكحلي، وخفيف العطبان، وشاندرو، وفنجر الطفيري، وفواخر لال فقرو، وعواهر لال سهرو والكثير من الاسماء بمعانيها ومدلولاتها.
والأمر يختلف لو أنك اخذت قصّة معروفة عبر التّاريخ القديم والحديث واوردتها على طريقتك ضمن صياغة معيّنة وهادفة بغية ايصال فكرتك والمغزى من طرحها.
فجميعنا يمكننا ان نكتب عن بائعة الخبز، وعن بائعة الورد، وعن بائعة السّمن. فهذه قصص معروفة وغيرها الكثير، سمعنا معظمها من آبائنا واجدادنا، وأمهاتنا وجدّادتنا، ونقلاً عن غيرنا. ولكلّ منا ان يضع لمساتها عليها ليصل الى العبرة من نشرها، فتكون البصمة بصمته وان لم تكن الفكرة فكرته!
امّا ان نأخذ فكرة غيرنا، وأسماء غيرنا،وطروحات غيرنا في تتابع زمنيّ واضح فهنا العجب العجاب!!
فان تبحث بعمق هذا حقّك المشروع، ولكن ان "تأخذ على عجالة من أمرك" فهنا لبّ الموضوع...
أشكّ بأنّك لا تعرف، أو أنّك تتعمّد عدم المعرفة، فأخالك قائلًا:
"كلّو بياخد عن كلّو، ولمّا تشوفو قلّو".
لا وألف لا...
ومع محبّتي لأحمد عدويّة، لقد أخطأت العنوان، ولن ينفعك عطوان ولا طرمان.
وأمامك خياران لا ثالث لهما:
إمّا أن تعتذر عن استهتارك بعقول الآخرين، وعن استعمالك لجهود الطيّبين، وتعلن للملأ أنّك اقتبست حبًّا وودًّا وتقرّبًا وتشبّهًا بالكرام وهو منتهى الفلاح.
وإلّا سأشكوك لقاضي الأرض (وعدله نسبيّ)، وسأرفع شكوى إلى قاضي السّماء، وهو الحكم العدل (وعدله مطلق).
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.
فمن يقبل أن يسرق عمل غيره يقبل أن يسرق ما هو أكبر.
وسرقة التّأليف هنا إنّما تدلّ على ضعف إيمان صاحبها وعدم الإخلاص في القول والعمل.
يقول أحد الحكماء:
"ليس أكثر دناءة نفس من كاتب يسرق كلام غيره إلّا شخص يسرق ويتباهى بسرقته"!
ولا أعجب ممّن يستحلّ خطف مجهود غيره وينسبه لنفسه ثمّ يستقبل كلّ مدح وكلّ مباركة أو يحصل على أجر مادّيّ، بل ويستقبل كلّ نقد دون أي خجل، وكأنّه هو الذي أنشأ هذه الموضوعات وتعب في تأليفها!
اللهمّ أنت تعلم كم تعبت وكم سهرت من أجل أن أبرز للمتلقّي عذب الكلام، وطيّب العبارة، وخلاصات العبر حبًّا في المعرفة وابتغاء لمرضاتك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
فيا فوز المستغفرين...