بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - الجدوى
بالنظام - الجدوى ‎الجمعة 5 01 2024 12:39 زياد شبيب
بالنظام - الجدوى

جنوبيات

يكثر في الزمن الحاضر الشعور بعدم الجدوى عند الكثيرين، وهو ينطبق على كل شيء تقريبًا وتراه في كلّ مسألة تقاربها أو موضوع تبحثه، في وجوه وأجوبة محدثيك، وعلى جميع الأصعدة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذه الحالة هو ما إذا كانت اللاجدوى هي مجرد شعور لدى العامة نتيجة تراكم الخيبات والمصائب، أي انه حالة نفسية جماعية عابرة وحسب. وهو يكون بذلك شكلاً من الإحباط العام الذي يصيب شعوبًا في مراحل معينة أو أحد عوارضه. أم أنه حالة واقعية ناتجة عن طبيعة الأمور في الحياة وعن كونها ذات مسار ومآل سيئ وسلبي بصورة طبيعية، وبالتالي لا جدوى من مقارعة المصاعب أو محاولة تذليلها أو السعي إلى تغيير الحال، ولا جدوى أيضًا من الإشارة إلى الخطأ على الأقل على أمل تصويبه.
المسألة ليست شخصية داخلية عندما تكون عامة. في #لبنان كثرٌ من أصيبوا بالإحباط بعد الانتخابات النيابية الماضية وكثر قبلهم أحبطهم تحطّم الآمال التي انبعثت من انتفاضة خريف العام ٢٠١٩. وهذه حال كثيرين بعد كل استحقاق وما يرافقه من آمال متبددة. في دنيا العرب كثيرون أصيبوا بالإحباط وأصبحوا من أصحاب القناعة باللاجدوى بعد خيبات ما سمي بالربيع العربي، وقبلهم أجيال أصيبت بما يشابه ذلك على إيقاع النكبات والنكسات، وكثر اليوم يشعرون بعدم الجدوى من مقارعة الاحتلال ما دامت العقود الماضية أثبتت أنه يزداد إجرامًا مع كل ضربة يتلقاها وأنه يتمكن من تحويل الضربات إلى فرص لتنفيذ خططه فيقضم المزيد من الأرض ويهجّر المزيد من أصحابها وفي طريقه يقتل ما شاء منهم.
حتى أن المقال أو الرأي أو الموقف الحامل بعض الأمل أو المتضمن قناعات بما هو أفضل من الواقع الراهن، أو عندما يحتوي مادةً ذات طابع مبدئي أو دعوة إلى الصواب أو إشارة إلى الخلل، كما هو الحال في هذه الزاوية الأسبوعية، تأتي التعليقات الكثيرة المؤيدة مقترنة أحيانًا كثيرة بعبارات تتساءل عن الجدوى، وهذا بحد ذاته يطرح السؤال على الكاتب أو القائل نفسه ويحمله على التساؤل عن الجدوى من الكتابة أو القول.
أكثر الكتابات التي تقترن التعليقات حولها بالسؤال عن الجدوى تتصل بالبحث في #المؤسسات الدستورية، والمؤسف أن أغلبها يأتي تحديدًا حين التطرق إلى حال القضاء. هذا ناجم بطبيعة الحال عن النظرة التي أصبحت العامّة تنظرها إلى القضاء وتراه مفترِقًا عن العدالة، حتى أن كاتبًا صديقًا يفضّل استخدام تعبير "قصر القضاء" بدل "قصر العدل" في مقالاته التي تعبّر عن عدم القناعة بأن ذلك المبنى الذي وضعت عليه عبارة "العدل أساس الملك" ما يزال مقرًّا للعدل أو مصدرًا له، وهذا لا يصحّ لعدم جواز التعميم.

يذكرك الواقع بأن القناعة بالجدوى قد تكون مسألة إيمان، وبالتالي إن فقدان الأمل بالعدالة ممنوع رغم وجود الظلم. هذا ما يعلّمه السيّد في سياق حديثه عن الصلاة دون ملل، حين تحدّث عن مدينة كان فيها قاضٍ لا يخافُ الله ولا يَهابُ إِنْسَانًا وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَة كانت تأتي إليه طالبةً أن ينصفَها من ظالميها وكانَ لاَ يَشَاءُ إنصافها إلى زَمان. ولكِنْ بعد ذلك قالَ في نفسه: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزعجني، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي. وقالَ الرَّبُّ: "اسْمَعُوا مَا يَقولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟

 

المصدر : النهار