لبنانيات >أخبار لبنانية
"مهنة البصارة" تنتعش في هذه المناطق.. أصبح بيع الأمل الكاذب بـ "بفلوس"
"مهنة البصارة" تنتعش في هذه المناطق.. أصبح بيع الأمل الكاذب بـ "بفلوس" ‎السبت 16 03 2024 09:58
"مهنة البصارة" تنتعش في هذه المناطق.. أصبح بيع الأمل الكاذب بـ "بفلوس"

جنوبيات

“غيمة سودا رح تجي وتروح”، “بختك مبخوت وحماتك بتموت”، “اموال كثيرة من نصيبك، عريس وفرحة وطرحة وسعادة ” ” قول انشالله”؛ بهذه الكلمات الرنانة تبدأ “البرّاجة” قراءة الكف وتتنوع العبارات التي تدغدغ مسامع الناس حيث تكون عيونهم شاخصة بانتظار خبر يسر القلب كما تفعل “ام داوود” التي “تتحشُّر” بالمارة ذهابا وإيابا حيث تقف على خط الدورة-برج حمود. وتلبس هذه السيدة السبعينية عباءة مزركشة بالورود وتضع على رأسها عصابة سوداء ومنديلا طويلا ويوجد على ذقنها علامات “تاتو” خضراء. إشارة الى ان معظم “العرّافات” هن نساء ويَجُلن في الجميزة والحمرا لكن يتواجدن بشكل أكبر في برج حمود والدورة.
فلكلور ام خدعة!
وفي الإطار، تعرف قراءة الكف أيضا بالتبصير أو التنجيم، وهي عملية تقليدية تمتد جذورها إلى آلاف السنين وتشمل النظر في خطوط وتجاعيد الكف لاستخلاص المعلومات حول المستقبل والشخصية والمصير. ويُعتبر التنجيم من أقدم أشكال الفلكلور والتصديقات الروحية التي تعود إلى عدة حضارات قديمة مثل السومريين والبابليين والمصريين والإغريق والرومان. وهذه الظاهرة من العادات والتقاليد الشائعة في العديد من الثقافات حول العالم، وتختلف أساليبها ومفاهيمها وتقنياتها من مجتمع لآخر. عادة ما يقوم المبصرون بدراسة شكل اليد وخطوطها وعلاماتها الخاصة، مثل النجوم والدوائر والمثلثات والخطوط العرضية والرأسية، ويحاولون فهم ما تعبر عنه هذه الرسوم من معاني. ويتمتع التبصير بشعبية كبيرة في بعض البلدان الآسيوية والشرق أوسطية وأفريقيا وأوروبا، ويعد جزءا من التراث الثقافي لهذه المجتمعات ومصدرا للتوجيه والإرشاد للكثيرين.
مفاتيح القراءة
بالموازاة، قالت “ام داوود” واصلها من البادية السورية لـ “الديار” “انها تستخدم مصطلحات وعبارات تُعبر عن الرموز والدلالات الموجودة على الكف، لذلك يصعب على الأشخاص العاديين حفظ عباراتنا بدقة لأنها تتفاوت حسب المعتقدات والتقاليد المحلية وتفسيرات القارئ نفسه. ومع ذلك، هناك بعض الاقوال الشائعة التي استعملها في وصف هذه الخطوط، مثل:
1. “خط الحياة”: وهو الخط الذي يمثل الطريقة التي يسلكها الشخص في حياته.
2. “خط القلب”: يتبع العواطف والعلاقات العاطفية.
3. “خط الرأس”: يحاكي العقل والتفكير.
4. “جزيرة النجاة”: وهي منطقة صغيرة تشير إلى فترات صعبة في الحياة.
5. “فرع النجاح”: وهو سهم يتفرع من خط معين ويرتبط بالنجاح والتقدم في الحياة.
هذه العبارات تُستخدم كمصطلحات عامة، ويمكن أن تختلف الإشارات والامثال تبعا لتقاليد كل منطقة أو ثقافة”.
سر الكف الممتد!
على مقلب آخر، ومع تقدم العلم والتكنولوجيا، اضحى التنجيم وقراءة الكف من العلوم الكلاسيكية غير المدعومة بالأدلة العلمية، وينظر إليها العلماء والباحثون بتحفظ. باعتبار ان عملية قراءة الكف تثير الكثير من الانتقادات والجدل، حيث يرى البعض أنها تعتمد على الخرافات والاعتقادات غير المثبتة علميا، بينما يجدها آخرون أنها تمثل تقليدا ثقافيا يجب الاحتفاظ به. في حين يعتقد البعض الاخر أنها تمتلك جوانب نفسية أو اجتماعية تستحق الدراسة والتحليل.
في موازاة ذلك أوضحت الاختصاصية في علم النفس مي نعيمي لـ “الديار” “ان العديد من علماء النفس يرون أن التبصير يمكن أن يكون له تأثير نفسي على الأشخاص، حيث يمكن أن يعطيهم شعورا بالتوجيه أو القبول أو حتى التحفيز النفسي”.
من جهتها، كشفت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين عن “ان بعض علماء الاجتماع يعتبرون التبصير ظاهرة اجتماعية تعكس بعض الحاجات النفسية والاجتماعية للناس، وقد تكون جزءا من ثقافة معينة أو موروثات شعبية. بينما يرى العلماء السكيبتيكيون أن التبصير ليس له أساس علمي ويمكن أن يكون خداعا للناس، وأن القراءة العلمية ليست لها علاقة بممارسة التنجيم، في حين يعتبر الأنثروبولوجيون التبصير جزءا من التراث الثقافي للشعوب، وقد يدرسها هؤلاء كجزء من فهم الثقافة والتقاليد والعقائد”. لذلك يمكن القول إن آراء العلماء تختلف بشدة حول التبصير، وتعتمد على النظرة العلمية والفلسفية لكل عالم”.
القوانين تمنع ام تتحفظ!
في المقابل، أشار المحامي عبادة الى “ان قوانين ممارسة التنجيم والتبصير تكون في العديد من البلدان، محدودة أو ممنوعة تماما، وتعتمد هذه القوانين على التشريعات والقوانين المحلية والثقافية لكل بلد. وقال لـ “الديار” “لا توجد قوانين صريحة في لبنان تمنع ممارسة التنجيم أو القراءة الفلكية، ولكن قد تكون هناك قوانين تنظم هذا النوع من الأنشطة من حيث الإعلان عنها أو ممارستها بشكل عام. كما يمكن أن تختلف التشريعات والقوانين في لبنان بشكل كبير حسب المنطقة والسلطات المحلية، وقد تنظر إلى ممارسة التنجيم بشكل إيجابي أو سلبي، ويمكن أن يكون هناك تقبل أو رفض لهذه المبادرات اعتمادا على الآراء الثقافية والدينية والقانونية لكل شخص أو هيئة او مجتمع”.
أسباب أدت الى ذيوع هذه الحالة
الى جانب ذلك، شهدت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة ازديادا في الانتشار، وخاصة بين نازحات سوريات كبار في العمر. ووفقا لياسين “يعود الاهتمام المتصاعد بالتبصير وقراءة الكف إلى عدة عوامل وأسباب من بينها:
البحث عن الاستقرار المالي: قد يكون الفقر وعدم وجود فرص عمل مناسبة من الأسباب التي تدفع البعض إلى ممارسة هذه الصنعة، ويعتبر بعض الأشخاص التبصير وقراءة الكف وسيلة لكسب المال بسرعة وسهولة.
الاعتقاد بالقدر والخوف من المستقبل: قد يلجأ البعض إلى العرّافين/ات في محاولة لفهم ما قد يخبئه المستقبل لهم، وهذا قد يكون نتيجة للقلق والتوجّس من المجهول.
التقاليد والعادات الاجتماعية: في بعض الثقافات، تعتبر قراءة “الفنجان” جزءا من التقاليد والعادات الاجتماعية التي تمارسها النساء بشكل خاص، وقد يتم توريث هذه المهارات من جيل إلى آخر.
اضافت ” إذا نظرنا إلى ظاهرة التبصير من منظور عملي، فإن هناك ارتباطا وثيقا بين اداء هذه الوظيفة والواقع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد الذين يقومون بها. هذا ويمكن أن يكون انتهاج التبصير بـ “الفنجان” وقراءة الكف لفئة محددة حجّة للعيش وتأمين متطلبات حياتهم الأساسية، خاصة إذا كانوا يواجهون ظروفا اقتصادية صعبة”.
وتابعت “على سبيل المثال، في حالة النازحين السوريين تعمل بعض النساء في التبصير وقراءة الكف، بحيث ان مزاولة هذه الحرفة ابتكار لتوفير دخل يساعدهم على تلبية احتياجاتهم اليومية. لذلك، يمكن اعتبار ان ممارسة هذه الوظيفة هو بمثابة استجابة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يواجهونه. ومع ذلك، قد تكون هناك أيضا عوامل أخرى تلعب دورا في سلوك هذا الطريق، مثل الاعتقادات الثقافية والدينية التي قد تجعل بعض الأشخاص يشعرون بأنهم مهتمون بمساعدة الآخرين من خلال هذه الخدمة، أو رؤية هذا النوع من العمل كفرصة للتواصل مع الآخرين ومساعدتهم في فهم مسارات حياتهم”.
يذكر ان بعض السياسيين اللبنانيين استمعوا الى بعض العرافات مثل ايلي ماروني وزياد اسود وانطوان سعد، وهذا دليل على انجذاب الناس الى الأخبار التي يرويها المبصرون لهم.
وفي الختام، نصحت كل من نعيمي وياسين المواطنين “بعدم اللجوء الى البصارة او البراجة او القيام بأي عمل يتعلق بالمصير والمستقبل، لان هذه القراءات من شأنها تشتيت أفكارهم وبعثرة احلامهم وحياتهم”. ويجب الاخذ بمقولة “كذب المنجمون ولو صدقوا”.

المصدر : الديار- ندى عبد الرزاق