بأقلامهم >بأقلامهم
لتكن الحكمة والحوار وسيلة الدعاة إلى الحق
لتكن الحكمة والحوار وسيلة الدعاة إلى الحق ‎الجمعة 5 04 2024 07:50 الشيخ محمد عسيران
لتكن الحكمة والحوار وسيلة الدعاة إلى الحق

جنوبيات

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك الكريم ولعظيم سلطانك.
والصلاة والسلام على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
لقد شرَّف الله الإنسان وأكرمه باستخلافه في الأرض قال تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) «البقرة ٣٠».
وهذا الإستخلاف قائم على اساس الإصلاح وتحقيق العدل بين الناس وقد أرسل الله الرسل تترى لأداء هذه المهمة العظيمة وإقامة الحجة على الناس: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، وأيدهم ربهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم، (ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات) «الحديد ٢٥» فأناروا للناس طريقهم وأرشدوهم لحقيقة التوحيد وأنقذوهم من الظلمات وحرّروهم من عبادة
 المخلوقات وفتحوا لهم طريق الهداية وسبل الرشاد لكي يتجهوا إلى خالقهم سبحانه ويحققوا الغاية الكبرى ويمثلوا للحكمة العظمى من خلقهم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) «الذاريات ٥٦».
لقد جاء الإسلام ليحث الناس على الخير والصلاح والنجاة والفلاح ومن أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
حدد النبي الأعظم (ص) في خطبة الوداع حقوق الإنسان وحدد معالم الحريات وأسس منطلقات الكرامة الإنسانية لبني البشر، فقال (ص): «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، لقد حفظ الإسلام للإنسان ضرورياته الخمس التي لا تقوم الحياة إلا بها، فحرم الإعتداء على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله وما ذاك إلا ليعيش آمناً مطمئناً، يعمل لدنياه وآخرته ويعيش المجتمع كله في تماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ليصلح بذلك حال الناس وتستقيم أمورهم،كما أوصى في خطبته بالمرأة خيراً وأبان حقوقها وواجباتها ومالها وما عليها. لقد بين الإسلام أن الناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجبات، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في النسب ولا تمايز في كون، قال (ص): «يا أيها الناس إن ربكم واحد، إن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى»، وحث على حق الجوار (والجار ذي القربى والجار الجنب) «النساء ٣٦». وبقوله (ص): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم جاره، كما حفظ الإسلام النفوس وصان الدماء وجعل من ذلك قضية من أخطر القضايا وعالج كل ما يطرأ بين الأفراد من مشكلات بحدود العدل في الأرض،(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) «المائدة ٣٢». لقد جاء الإسلام بالمنهج الوسيط القائم على جلب المصالح ودرء المفاسد،ودعا إلى البناء والتنمية والأخذ بكل أسباب التقدم والتطور في جمع بين الأصالة والمعاصرة، ونهى عن كل مسالك الفساد والإفساد، وجعل مصالح الأمة العليا فوق كل اعتبار،ورتب الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على من تجاوز تلك المصالح أو عبث بأمن الأمة واستقرارها ومقدراتها ومكتسابتها، ونهى عن التعدي. وأرسى قيمة العدل في كل نظمه وتشريعاته وما ذاك إلا لأهميته وجميع غايته، ففي العدل قوام البشرية وصلاحها وسعادتها وبه تستقر أحوال الناس.
إن على عاتق المجتمع مسؤولية عظيمة، وإن من عظيم ما ابتلي به العالم في عصرنا هذا صور من الإفساد في الأرض متمثلة في آفة الإرهاب الذي عمَّ شره أمماً شتى ومذاهب متعددة لا يمكن أن ينسب إلى أمة أو دين أو ثقافة أو وطن أو تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام.
علينا أن نتسلح بسلاح العلم والمعرفة والرجوع إلى علماء الأمة من كل الأديان والمذاهب من أجل الحوار وتحريم هذه الأعمال الخبيثة والأفعال المنكرة، وعلى العالم أن يُظهر محاسن علمه ليقف في وجه الذين أغوتهم الشياطين وتنكلوا الصراط المستقيم فصرفهم عن منهج الإعتدال، فعلى علماء الأديان وحملة الرسالة الوقوف صفاً واحداً متحاورين معتصمين بحبل الله غير متفرقين داعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) «آل عمران ١٥٩» أيها الدعاة، كونوا قدوة حسنة وأرفقوا بالمدعوِّين ولتكن الحكمة والحوار بالحسنى وسيلتكم والعلم سلاحكم وتبصير الناس بالحق ونفعهم هدفكم وغايتكم، احذوا الحزبيات والتصنيفات والفرقة والإنقسامات.
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) «الأنفال ٤٦».

المصدر : اللواء