بأقلامهم >بأقلامهم
وسائل الإعلام وتأثيرها على الحقيقة ورأي المتلقي
جنوبيات
تعيش الساحة الإعلامية الدولية والعربية فوضى إعلامية غير مسبوقة، بسبب كثرة الوسائل الإعلامية، سواء كانت مقروءة، مسموعة، أو مرئية، بالإضافة إلى فوضى وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) والشبكة العنكبوتية بشكل عام. تعج هذه الوسائل بالمواقع الإعلامية الإلكترونية المختلفة، التي تُغرق الجمهور بكم هائل من المحتوى، ما بين غثٍ وسمين، صادق وكاذب، ومفيد ومضر.
هذا الكم الهائل يجعل المتلقي يعاني من صعوبة التمييز بين الحقيقة والخيال، وبين المعلومة الصحيحة والمضللة. لكل وسيلة أهدافها وغرضها في التأثير على عقل وثقافة المتلقي، مما يجعله الضحية لهذه الفوضى، إلى جانب الحقيقة والمعلومة الدقيقة، وهو ما يؤدي إلى تدمير ثقافة الفرد والمجتمع، ويحرمهما من القدرة على الوصول إلى المعلومة الصحيحة في المجالات المختلفة، سواء الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الصحية، أو حتى الأسرية.
حتى المعلومات التاريخية والعقدية والدينية لم تسلم من تأثير هذه الفوضى الإعلامية، التي تُغلب الرغبات والميول الشخصية على الحقائق الموضوعية. في ظل غياب الأمانة والتخصص المبني على التحليل السليم والمعلومة الدقيقة، يتحول الإعلام من أداة توجيهية وتثقيفية إلى أداة تخريبية وسلاح فتاك.
لذلك، لا بد من وجود إعلام احترافي ومتخصص بعيد عن الرغبوية والابتذال، سواء في الوسائل التقليدية أو الحديثة. يجب أن يتم ضبط إيقاع الإعلام في مختلف المجالات التي تهم الجمهور، مع توفير وسائل إعلامية متخصصة بحرفية عالية لكل مجال، مثل الإعلام الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي، الثقافي، والصحي، وغير ذلك.
الإعلام الرغبوي الذي يعمل على ليّ عنق الحقائق أو طمسها بات ضرره اليوم يفوق نفعه. كذلك، فإن الثقافة والآداب والفنون تعكس مستوى الحضارة لأي مجتمع. من هنا تأتي ضرورة الاهتمام بها لدعم مثقفينا وأدبائنا وفنانينا، وتوفير الرعاية اللازمة لنشر إنتاجاتهم التي ترتقي بالفرد والمجتمع.
أما في المجال الاقتصادي، فإن تكوين ثقافة اقتصادية عامة لدى المتلقي يعزز دوره كعنصر مهم في العملية الاقتصادية. وفي المجال السياسي، هناك حاجة ماسة إلى متخصصين يقدمون الوقائع السياسية بشكل موضوعي ودقيق، بعيداً عن الهوى والتحليل الانطباعي الذي يُخفي الحقائق الصادمة في كثير من الأحيان.
الإعلام المتخصص يتطلب إنشاء كليات إعلامية تُعنى بتخريج جيل من الإعلاميين المحترفين القادرين على تقديم رسالة إعلامية حقيقية تخدم التوعية العامة.
للأسف، تعاني كثير من وسائل الإعلام العربية من غلبة الهوى والرغبوية على المهنية، ما يضعف قدرتها على تقديم محتوى مبني على الحقائق. في المقابل، نجد الإعلام المتخصص في بعض الدول المتقدمة يؤدي دوره بشكل مهني، سواء عبر الوسائل التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تلعب دوراً كبيراً في تشكيل وعي المتلقي ورأيه.
إن العمل على إيجاد إعلام متخصص في كل مجال أصبح حاجة مُلحة لإنقاذ الإعلام من الفوضى والتردي، وإنقاذ الحقيقة من التزييف، وحماية المتلقي من تدني الوعي واختلاط المفيد بالمسيء. نعم، نحن بحاجة ماسة لذلك اليوم قبل الغد.