بأقلامهم >بأقلامهم
الإسرائيليون دمروا قرى لبنان الحدودية.. واللصوص ينهبون منازلها
الإسرائيليون دمروا قرى لبنان الحدودية.. واللصوص ينهبون منازلها ‎الخميس 13 02 2025 13:54 كامل جابر
الإسرائيليون دمروا قرى لبنان الحدودية.. واللصوص ينهبون منازلها

جنوبيات

في وقت يبحث فيه أبناء القرى والبلدات الحدودية في جنوب لبنان عن كيفية العودة إلى قراهم التي دمر الجيش الإسرائيلي معظمها، وأحدث أضراراً بالغة في المنازل والأبنية الأخرى، وإنقاذ ما أمكن من أغراضهم الشخصية والأشياء ذات القيمة المعنوية، أو من أثاث يمكن استخدامه، شاعت في عدد من هذه المناطق أخبار سرقات منظمة يقوم بها مجهولون فرادى وجماعات، تتضمن نقل ما سلم من القصف من أثاث ومقتنيات وصولاً إلى مواد تصلح للاستخدام في البناء كالخشب والحديد والألمنيوم والآلات الكهربائية وغيرها.

سرقات في القرى الحدودية

وخلال الـ28 من يناير (كانون الثاني) الماضي ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية نقلاً عن مصادر أمنية في منطقة مرجعيون (جنوب)، أن القوى الأمنية أوقفت سيارتين من نوع "رابيد" على متنهما عدد من الأفراد أثناء محاولتهم الخروج من مدينة الخيام الجنوبية، و"تبين أنهم متورطون بأعمال سرقة داخل المدينة، وسُلموا لجهاز أمن الدولة".
تكرر هذا الأمر في مدينة الخيام التي أصاب ساحتها وطرقاتها الرئيسة وأسواقها ومتاجرها المنتشرة على الجانبين وفي الأحياء القريبة، مما يشبه زلزالاً كبيراً خلف فيها دماراً ضخماً وأضراراً بالغة في الأبنية والممتلكات، بعد أن بدأ سكانها بالعودة إليها منذ الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، بعد يوم من انسحاب الجيش الإسرائيلي منها وانتشار قوة للجيش اللبناني تباعاً عند مداخلها وفي أحيائها ثم تنظيفها من الألغام والمتفجرات التي خلفها الإسرائيليون إبان احتلالهم لها. وسادت حال من الفوضى في فترة عودة الأهالي للبحث عما سلم من بيوتهم بين أكوام الردم الهائلة وما بقي من ممتلكاتهم ومقتنياتهم، وبخاصة بين الأبنية المتصدعة.
وكتب المهندس أسعد رشيدي المتحدر من بلدة الخيام منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه، أنه "بعد بدء الحرب المدمرة نزح كثر من أهالي الخيام إلى أماكن أقل خطورة، حاملين معهم وجعهم وما وجدوه ضرورياً أو ذي أهمية من أوراق مهمة ومال ومقتنيات، ومنهم من نزحوا دون أن يحملوا سوى حياتهم وحياة عيالهم ورحلوا. ولم يسلم أي بيت من الأضرار جراء العدوان الهمجي والوحشي التي تعرضت له بلدتنا، والبيت الذي لم تدمره القذائف أو يسوى بالأرض تخلعت أبوابه ونوافذه تحطمت، وبالتوازي مع العمليات العسكرية تعرضت ممتلكات الأهالي للنهب المنظم في مدينة الخيام، إذ أصبحت هدفاً سهلاً للسارقين الذين وجدوا في المدينة الغائب عنها غالبية سكانها، مرتعاً لنهب كل ما يمكن حمله".

لصوص يستغلون نزوح السكان

وأضاف رشيدي "في البداية، استهدفت السرقات ما خف وزنه وغلا ثمنه، لكن سرعان ما تطورت إلى نهب كل ما يمكن تحميله، بعد السماح بعودة المدنيين. وحدثني بعض الأهالي عن عمليات سلب شملت حتى الأشياء الثقيلة كبطاريات الليثيوم، وعن شاحنات تدخل إلى البلدة فارغة وتغادرها محملة بالغنائم. وأحدهم أخبرني عن أشخاص دخلوا أحد المنازل المتضررة، وعندما فوجئوا بوجود صاحبه بالداخل ادعوا أنهم دخلوا لسؤاله إن كان لديه شيء للبيع، وآليتهم المتوقفة في الشارع كانت محملة بالمسروقات".
وتابع "لم يكن مستغرباً أن جنود العدو الذين زرعوا الموت والدمار في قرانا وبلداتنا الحدودية أن يقوموا، بعد توغلهم في بعض المناطق بتنفيذ عمليات سرقة ونهب وسطو على البيوت التي نجت من الدمار والعبث بمحتوياتها وحمل ما يحلو لهم حمله، وتخريب أو إحراق أو نسف وجرف ما بقي، بما في ذلك الحقول والبساتين كجزء من عملية الانتقام الشاملة التي تطغى على الحرب ضد أبناء القرى والبلدات الحدودية. لكن المستغرب أن يستغل اللصوص عديمو الشرف والأخلاق نزوح الأهالي لنهب البيوت والمحال المهجورة، وكأن المصائب التي جلبها العدو لا تكفي، ليضاعفوا خسائر أهل البلدة بأيديهم. وكل هذا يجري دون أي تحرك جدي من المسؤولين، على رغم الشكاوى العديدة". وتساءل المهندس رشيدي "أين البلدية من كل هذا؟ أليس من واجبها حماية ممتلكات المواطنين؟ وكأنها غير مبالية بما يحصل من سرقات. الحرب تفتح أبواب الفوضى وتصنع أغنياء حرب على حساب المنكوبين. وكأن الدمار والقتل والتهجير لا يكفي، ليأتي لصوص الأزمات ويسرقوا ما بقي من أرزاق الآخرين، مُستغلين غياب الأمن والنزوح الجماعي ولا مبالاة المسؤولين، في مشهد لا يقل خسة ودناءة عن أفعال العدو وإجرامه".

الخيام في عهدة الجيش اللبناني

يقول رئيس بلدية الخيام المهندس عدنان عليان إن "الأمور تداخلت في الخيام، إذ هناك من يسرق وهناك من يبيع من أغراضه التالفة أو أثاثه الممزق، وأمس مررت إلى جانب بيتي فرأيت شاحنة تحمل أغراضاً من بناية مجاورة ورأيت ابن صاحب البناء فأخبرني أنه يبيع بعضاً من أغراضهم الخاصة، نحن كبلدية لا يمكننا أن نمنعه حتى بالقانون لا توجد مواد تجعلني أمنعه من أن يبيع ما يريد، فهذا بيته. ونحن من جهتنا أبلغنا الجيش اللبناني والقوى الأمنية أن هناك أناساً يسرقون من هذا البيت قليلاً ومن ذاك قليلاً، لكن ليس إلى درجة ما يشاع عن عمليات كبيرة".
ويشير عليان إلى أن هناك "قوى أمنية متنوعة وقوى أمن داخلي، فليتفضلوا وينزلوا على الأرض للقيام بدورهم، الخيام اليوم بحماية الجيش اللبناني ولا يمكن للبلدية بعد كل ما حصل في الخيام من تدمير منهجي أن تقوم بدور الشرطي والحارس، وعليها أن تنهض بالبلدة مما هي فيه، وأن تساعد الناس على العودة وإعادة تعمير ما تهدم، وتأهيل وبناء شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي مجملها وبصورة كبيرة".

"فوضى العدوان والسرقة"

وشدد رئيس البلدية على أن هناك "فوضى سببها ما حصل من عدوان وتدمير كبيرين. ومحاولات الأهالي للعودة صعبة جداً وهم ينتظرون أعمال إزالة الردم وإحصاء الوحدات المتضررة وحجم الخراب وبدء عملية التعويض وما هي الجهة التي ستعوض عليهم. وهناك من يستغل هذا الأمر ويمد يده ليسرق، لذا نطلب إلى الجيش اللبناني أن يضرب بيد من حديد وكذلك من القوى الأمنية، وهناك مخفر في الخيام، أين هو؟ وأين عناصره؟".
وأكد عليان أن "جنود العدو الإسرائيلي كسروا وحطموا وأحرقوا البيوت بصورة همجية وهناك من يقول إنه فقد أغراضاً من بيته، ووسط هذه الفوضى ضاعت الطاسة، لكن يمكنني الجزم بأن جنود العدو سرقوا جهاراً أشجار الزيتون المعمرة منذ مئات الأعوام بعدما اقتلعتها جرافتهم من أرضها ونقلتها بواسطة شاحنات كبيرة إلى فلسطين المحتلة، وشاهدنا ذلك بالأفلام المصورة، ناهيك بما دمروه من مصادر رزق الناس على نحو معمل صفاوي للبلاستيك في الخيام الذي تبلغ قيمته نحو مليوني دولار وفيه معدات ضخمة وآلات لنفخ البلاستيك، ومن الواضح أنهم دمروا رأس الكمبيوتر الذي تساوي قيمته قيمة المصنع تقريباً".

مخالفات إسرائيلية

تداول ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي خلال العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي شريط فيديو يظهر القوات الإسرائيلية وهي تنقل بواسطة شاحنات كبيرة، أشجار زيتون قالوا إنها معمرة بعدما جرفتها في عدد من القرى الجنوبية الحدودية ونقلتها إلى داخل إسرائيل.
ولدى سؤال "اندبندنت عربية" اللواء الركن المغوار المتقاعد في الجيش اللبناني جورج شريم (قائد منطقة جنوب الليطاني سابقاً) عما هو متاح للجيوش من ممتلكات المدنيين وأرزاقهم، على نحو ما حصل في جنوب لبنان وما فعله الجنود الإسرائيليون في عدد من القرى الجنوبية؟ أجاب بأن "لا غنائم عند الجيوش النظامية وهي ممنوعة، وإن حصل فيكون على عتاد عسكري مما يمكن مصادرته من أسلحة وذخائر وغيرهما أو أي قطع لها استخدامات عسكرية، والجيوش عادة إذا وجدت في مناطق القتال فإن أي شيء من هذا القبيل تأخذه أو تصادره، لكن ذلك لا يعد غنائم حرب".

الممتلكات المدنية ممنوعة على الجيوش

ويضيف اللواء شريم "أن الممتلكات المدنية ممنوعة بالقانون الدولي، أي ممنوع على أي جندي نظامي أن يستولي على ممتلكات مدنية ويعدها غنائم حرب. وأعتقد أن كلمة غنائم باتت من التاريخ وكانت تطلق على الغزوات القبلية. حتى الأشياء العسكرية التي يعثر عليها في أثناء الحروب لا تعد غنائم حرب، بل هي معدات وجدت ويمكن مصادرتها بغية استخدامها مرة ثانية مثلاً، أو لمعاينتها وفحصها ودراستها أو استخدامها في عرض ما أو في مكان معين. أما موضوع البيوت فلا يمكن لأي جيش أن يدخلها ويصادر محتوياتها".
ولم يجد اللواء شريم تفسيراً لما يقوم به أفراد الجيش الإسرائيلي من "مصادرة مقتنيات وأشياء خاصة بالمدنيين على نحو ما سمعنا أنه جرى داخل غزة وفي جنوب لبنان، وهذا طبعاً مخالف للقوانين الدولية والقوانين العسكرية، فلا يستطيع أي جيش نظامي أن يصادر ممتلكات المدنيين الخاصة في مناطق القتال والحروب مهما كبرت هذه الممتلكات أو صغرت. ويجب مراعاة مسألة أنهم مدنيون لا علاقة لهم بما يجري حتى لو كانوا من أسر المقاتلين، بل وجب على أي جيش حمايتهم وحماية ممتلكاتهم، وقبل هذا أو ذاك على أي جيش يقاتل في أرض أو منطقة ما أن يحمي مدنييها ويحمي ممتلكاتهم".

تجريف لمنع العودة

وحول ما قام به الجيش الإسرائيلي ولا يزال من تجريف البيوت وتفجيرها وتدميرها، أشار شريم إلى "عملية تجريف البيوت المدنية وما يحوطها من ممتلكات متعمدة من قبل الجيش الإسرائيلي كي يمنع عودة السكان المدنيين إليها وإلى قراهم وأماكن سكنهم. ولاحظنا أن هذا التدمير الممنهج كان كبيراً في القرى الحدودية، وهناك قرى باتت غير قابلة للحياة والسكن قبل إعادة تعميرها بصورة كاملة وإنشاء البنى التحتية فيها من جديد، وهناك قرى دمرت 100 في المئة، وقرى أخرى دمرت بنسبة أقل بقليل، لكن نسبة التدمير الإجمالية كانت كبيرة جداً في مناطق الحد الأمامي وبعض القرى التي احتلت في الحد الثاني والحد الثالث من مناطق القتال".
وأكد شريم أن "كل ما فعله الإسرائيليون في هذا الإطار كان مخالفاً للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وأن الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية تقدمتا بشكاوى في هذا الإطار إلى اللجنة الخماسية الدولية (المشرفة على تطبيق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل) وإلى الأمم المتحدة في مواضيع التدمير والتفجيرات وأعمال تجريف الأراضي وإحراق المنازل والتخريب المتعمد وحتى حرق الأشجار الحرجية وسرقة الزيتون المعمر".

"الإسرائيليون أحرقوا ودمروا وسلبوا"

وفي السياق، تقدم الإسرائيليون منذ أيام قليلة إلى تخوم بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل التي انسحبوا منها منذ نحو أسبوعين. ويقول رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور "تقدموا إلى مزرعة قريبة من الخط الأزرق فخربوها ودمروها، هم أصلاً لم يتركوا بيتاً في عيتا الشعب إلا ودمروه أو حولوه إلى شبه مدمر بعد أن أحرقوه وخربوه وسلبوا أشجارنا المعمرة، وربما كثيراً من محتويات بعض البيوت وكل ما يعزز لديهم فكرة الانتقام من عيتا الشعب وأخواتها القرى الجنوبية الحدودية". ويؤكد سرور أن "الإسرائيليين جرفوا بساتين الزيتون وقاموا بسرقة أشجارها المعمرة والمؤصلة عدا عما قطعوه أو اقتلعوه أو جرفوه ورموه. وسرقوا كذلك كميات كبيرة من أشجار الغار، إذ تعد "عيتا الشعب" من أغنى بلدات لبنان بأشجار الغار، وسرقوها ونقلوها إلى الداخل الإسرائيلي، وجل ما نتمناه ألا تعيش هذه الأشجار المباركة لديهم وهي نوعان، ذكر وأنثى وهم اقتلعوا أشجاراً من النوعين. وإن عمر هذه الشجرات يبلغ مئات الأعوام ويصنع منه أبناء ’عيتا الشعب‘ ومزارعوها صابون الغار وزيوت الغار، وهو من النوع الممتاز لكنه يحتاج إلى طبيعة باردة نوعاً ما".
وحول بعض السرقات الحاصلة في القرى التي يعود أهلها إليها يقول رئيس البلدية سرور إن "هناك من يقصد بيته لإخراج ما تيسر أو بقي له من أغراض وفرش ولحف وأثاث، ربما تحصل بعض السرقات لكنها ليست بالحجم الكبير، إذ إن طرقات البلدة المتفرعة وطرقات الأحياء جرفت بكاملها وبات عبور السيارات عليها صعباً، ومستحيلاً في بعضها، لكن الطرقات الرئيسة جرى توسيعها وإزالة الردم من وسطها. وبصورة عامة فإن عيتا الشعب غير صالحة للسكن حالياً وقبل قيام ورشة كبيرة تعيد إليها البنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وخزانات، ثم المباشرة بتعمير ما تهدم، وهذا باعتقادي لن يتحقق قبل عامين أو أكثر إذا ما توافرت المبالغ المخصصة لذلك، خصوصاً أن نسبة الدمار في عيتا الشعب تجاوزت الـ90 في المئة".

المصدر : اندبندت عربية