بأقلامهم >بأقلامهم
المداورة (2)
المداورة (2) ‎الجمعة 28 02 2025 10:07 زياد شبيب
المداورة (2)

جنوبيات

الطائفية هي حالة انقسام وتباغض فئات المجتمع وأفراده على أساس اختلاف انتمائهم الديني، أما الطائفية السياسية فهي في الأصل توزيع المناصب العامة على تلك الفئات لضمان المشاركة "العادلة" في السلطة وإدارة الشأن العام. أي أن الهدف من الثانية، كان الحدّ من الغرق في الأولى، أو الحؤول دون الوقوع فيها أو التمهيد للخروج منها.
هذا ما كان الهدف في الأصل، إلا أن الطائفية السياسية التي أُريدَ منها أن تكون ضمانة لمنع الطائفية، قد تحوّلت إلى مسبّب للمزيد منها وإلى أداة في أيدي الحاكمين للبقاء في الحكم عبر تعيين من يدين لهم بالولاء في المناصب التي يشغلها أبناء الطوائف التي يمثلونها.
الدستور وضع مسارًا للخروج من هذه الحالة في المادة 95 من الدستور، وهو مسار إلزاميّ من حيث واجب سلوكه ولكنه ليس فوريّ النتائج، لأنه يفترض العمل التدريجي وفق خطة مرحلية تضعها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.
الحكومة الجديدة عبّرت عن رؤيتها في تعيين موظفي الفئة الأولى بالقول: "سنعمل لتأتي عملية التعيين في المناصب الشاغرة في الفئة الأولى حريصة على معايير الجدارة والكفاءة وقائمة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أيّة وظيفة لأيّة طائفة، كما تنص عليه المادة 95 من الدستور."
أهمية هذا القول تكمن في أن الالتزام الفعلي بالقواعد الدستورية في تعيينات الفئة الأولى يعني حصول المداورة الحتمية في تلك المناصب. هذه المداورة بالذات التي تحدث عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم بالقول:
"عهدي مع المجلس النيابي ومجلس الوزراء أن نعيد هيكلة الادارة العامة وأن نقوم بالمداورة في وظائف الفئة الأولى في الادارات والمؤسسات العامة،"
التملك الوظيفي وتحويل المناصب العامة إلى ممتلكات طائفية يخالف الدستور مخالفةً مباشرة، رغم احتفاظ الدستور بتوزيع طائفي محدود للمناصب. فالمادة 95 من الدستور، التي تبنّت نص وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، نصت على الغاء الطائفية السياسية، وجاء نص المادة ٩٥ من الدستور على إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية ومتابعة تنفيذها· وفي المرحلة الانتقالية وإلى حين إلغاء الطائفية السياسية:
أ - تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة·
ب - تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة·
هذا يعني ما يلي:
- أن ما تبقّى من الطائفية في الوظائف العامة هو حصرًا المناصفة في الفئة الاولى (وما يعادلها).
- أن تطبيق المناصفة يتم مع التقيد بشرطين اثنين:
1- ألّا يتم تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.
2- وأن يتم التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
إن التقيّد بهذه القواعد واجب دستوري، وليس مجرّد خيار سياسي شجاع. لأن تخصيص وظائف معينة لطوائف معينة يعني أن أداة التعيين تخالف الدستور. والتخصيص يحصل عندما تعمد الحكومات إلى اختيار المرشح الخلَف للتعيين في منصب معيّن من أبناء الطائفة نفسها للموظف السابق، دون التفكير بالاختصاص والكفاءة وإمكان توفّرهما في مرشحين من طوائف أخرى.
حتى الآن التخصيص عادة سائدة خلافًا للدستور، أما الحالات النادرة التي جرى فيها تغيير طائفة المرشحين فكانت باتجاه واحد ونحو المزيد من التملك والتخصيص أي زيادة حصص طوائف معينة على حساب أخرى.

المصدر : النهار