مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
د. سلوى الحوت.. سنديانة فلسطينية راسخة بنضال صادق لأجل أقدس القضايا
د. سلوى الحوت.. سنديانة فلسطينية راسخة بنضال صادق لأجل أقدس القضايا ‎الخميس 10 04 2025 18:49 جنوبيات
د. سلوى الحوت.. سنديانة فلسطينية راسخة بنضال صادق لأجل أقدس القضايا

جنوبيات

يرتبط اسم المُناضلة الدكتورة سلوى إبراهيم الحوت، مُدير عام "الصندوق القومي الفلسطيني"، بشكلٍ وثيقٍ ولصيقٍ، بالقضية الفلسطينية، ليس فقط لأنها ابنة عائلة مُناضلة، تعود بأصولها إلى مدينة يافا في فلسطين المُحتلة، التي أبصرت فيها النور بتاريخ 10 شباط/فبراير 1939، وقدمت الكثير من أجل القضية الفلسطينية، بل لأنها مُناضلة من الطراز النادر في كل المراكز التي تبوأتها، وأثبتت فيها مناقبيتها، ودماثة خلقها، وحرصها وإدراكها، أن العمل النضالي يتطلب التضحية.

أينما حلت، كانت تترك بصمةً خاصة، في تفانيها بالتعاون مع الجميع بأخوةٍ واحتضانٍ وحنان الأمومة، ما يُعطي ثماره، مُبادرات وتفانٍ للعملٍ من دون كللٍ أو مللٍ أو تذمر، بل بتواضعٍ، على الرغم من مُعاناتها باشتداد المرض، أو الإصابة بألم، ونصيحة الأطباء لها بالخلود إلى الراحة.
لكن، ذلك لم يكن يمنعها عن الاستمرار بالمُواظبة على عملها، خاصة في الصندوق القومي الفلسطيني كمُديرة له، مع رئيسه عضو اللجنة التنفيذية لـ"مُنظمة التحرير الفلسطينية" الدكتور رمزي خوري، الذي كان له ثقة مُطلقة بها، وما تقوم به من مهامٍ، يستند إلى حرص وخبرةٍ ودراية ومُتابعة.
بدقةٍ مُتناهية، تُتابع أدق التفاصيل، وبحنان الأمومة، تُعطي الآراء، ما يجعل من كلماتها أو شروحاتها، كالنسيم، وتُواكب المُتابعة في المراحل كافة، حتى التنفيذ والحرص على إيصال الحقوق إلى أصحابها.
عقودٌ من الزمن، أمضتها الدكتورة سلوى الحوت، في المسيرة النضالية، ضمن "مُنظمة التحرير الفلسطينية"، وتمسكها بالقرار الوطني الفلسطيني المُستقل، مُعبرة عن صورة رائدة، لدور المرأة المُناضلة، التي كانت تستقبل الجميع، بكل ترحابٍ.
فقد ابتدأت العمل في مكتب "مُنظمة التحرير الفلسطينية" في بيروت، الذي كان يتولى مسؤوليته شقيقها شفيق الحوت مُتطوعة عام 1964، مع تأسيسه، وتفرغت للعمل فيه عام 1968، وعملت كمعتمد للصندوق القومي الفلسطيني في لبنان عام 1969، وحتى اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982.
والتحقت مجددا للعمل في الصندوق القومي الفلسطيني في عمان، عام 1990 حتى وفاتها.
كما كان لها دور في المؤتمر العام لاتحاد المرأة الفلسطينية في القدس عام 1965، وأصبحت عضواً إدارياً بفرع الاتحاد في بيروت.
وانتخبت عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1983، وشاركت بحضور دورات عدة للمجلس الوطني، كان آخرها الدورة التاسعة عشرة في الجزائر عام 1989.
في مكتبها في الصندوق القومي الفلسطيني في عمان، حرصت أن تتصدر جدرانه، صورٍ للقدس، ويافا و"سيدة الزيتون" محفوظة اشتية، التي اشتهرت بصورتها، وهي تحتضن شجرة الزيتون، بعدما عمد جنود الاحتلال إلى قطع الأشجار من حقلها.
عندما نلتقي بها، تُسارع للمُبادرة بالسؤال، بلهفةٍ عن الأحوال، وتستذكر بألمٍ حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد أبناء شَعبِنا في غزة، الضفة الغربية والقدس.
تُكثر من الأسئلة، عن واقع الحال في لبنان، الذي يعني لها الكثير، كما بلدي الزيتون والأرز.
وقد منحها رئيس دولة فلسطين محمود عباس، "ميدالية الإنجاز" من وسام الرئيس محمود عباس، خلال استقباله لها، يوم السبت في 28 أيار/مايو 2022، بمقر إقامته في العاصمة الأردنية، عمان، تقديراً لعطائها، والتزامها الوطني، وتثميناً عالياً لمسيرتها النضالية المُشرفة، وتفانيها وتميزها، طوال فترة خدمتها في "الصندوق القومي الفلسطيني"، الذي استمرت بالعمل به حتى وفاتها.
أذكر أن أحد المُناضلين، سرد لي حكاية، عن كيف حمت الدكتورة سلوى الحوت، أسرار "مُنظمة التحرير الفلسطينية"، وأنقذت أوراقاً هامة، كانت تضم أسماء جميع المُتعاونين مع المُنظمة، داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة في العام 1948، وقطاع غزة والضفة الغربية، والكوادر والشخصيات، المُعلنة عن تعاونها مع المُنظمة، والأخرى بشكلٍ سري:
"على إثر الغزو الإسرائيلي للبنان، بتاريخ 5 حزيران/يونيو 1982، ومن ثم حصار بيروت، وبعدها مُباشرة خروج قافلة المُقاتلين الفلسطينيين، من العاصمة، بتاريخ 21 آب/أغسطس 1982، التي انتهت في (30 منه)، بوداع الرئيس الرمز ياسر عرفات بيروت، ووداعها له، بعد فشل المُخطط الإسرائيلي باغتياله، والقضاء على الثورة الفلسطينية، وتوقيع اتفاق، بواسطة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، حيث خرج مُقاتلو الثورة بأسلحتهم.
وبعد اغتيال بشير الجميل، ليل 14 أيلول/سبتمبر 1982، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي التقدم نحو بيروت.
ومع انهمار القذائف والقصف العنيف، سارعت الدكتورة سلوى الحوت، مع أحد المُوظفين، في مكتب المُنظمة، بالتوجه إلى مقره، في كورنيش المزرعة، وتم نقل المُستطاع من وثائق وأوراق، ونقلها إلى مكانٍ آمن، وحرقها تحت جنح الظلام، لإخفاء الأدلة.
في صباح 16 أيلول/سبتمبر، دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مكتب "مُنظمة التحرير الفلسطينية"، واتخذت منه مقراً عسكرياً، لكن كانت الدكتورة سلوى قد أنقذت هذا الأرشيف الهام، الذي لو وقع بأيدي المُحتل، لحدثت كارثة كبيرة، حيث خاطرت بحياتها، لتُنقذ من عمل من أجل القضية الفلسطينية".
هذا هو نموذج النضال الفلسطيني، الذي جسدته الدكتورة سلوى الحوت، التي عندما تحدثنا إليها في الآونة الأخيرة، كان لديها إحساس، بأن دخولها إلى المُستشفى هذه المرة، لن يكون منها خروج آمن، حيث أسلمت الروح، يوم الخميس في 10 نيسان/إبريل 2025، وفي القلب غصة على ما يجري لأبناء شَعبِها من مجازرٍ وحرب إبادة بأيدي المُحتل الإسرائيلي، لكن كلها أمل بأن النصر آتٍ، ولو بعد حين.
يوارى جثمان الدكتورة سلوى الحوت الثرى، في "مقبرة الشهداء" - "أم الحيران" في العاصمة الأردنية، عمان، سنديانة مُمتدة جذورها إلى أرض الوطن، حيث يشخص قلبها الى المكان، الذي أبصرت فيه النور، فلسطين، وناضلت لأجله، حتى الرمق الأخير، فكانت قدوة للعمل النضالي، من أجل أقدس القضايا.
رحم الله الغالية الدكتورة سلوى الحوت، التي نشهد على نضالها الصادق.
والعزاء إلى عضو اللجنة التنفيذية لـ"مُنظمة التحرير الفلسطينية" ورئيس "الصندوق القومي الفلسطيني" الدكتور رمزي خوري، وأعضاء الصندوق، وشقيق الراحلة، زياد الحوت وأفراد العائلة، وأبناء يافا وفلسطين وكل من عرفها.

المصدر : جنوبيات