عام >عام
عين الحلوة... و«ملائكة» استخبارات العالم حاضرة
عين الحلوة... و«ملائكة» استخبارات العالم حاضرة ‎الخميس 8 06 2017 11:18
عين الحلوة... و«ملائكة» استخبارات العالم حاضرة


في مثل هذه الايام، قبل خمس وثلاثين سنة، كان ابناء مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، يخوضون اشرس المعارك العسكرية لمجابهة توغل قوات الاحتلال الاسرائيلي الى ازقة المخيم، خلال غزوها للبنان في السادس من حزيران من عام 1982، وقد عُرفت حينها حكايا اسطورية عن بطولة «اطفال الار بي جي» الذين منعوا... ولايام، تقدم دبابات «الميركافا».
اليوم، باتت التسمية التي تطلق على «عاصمة» الشتات الفلسطيني في لبنان، هي «البؤرة الامنية» او «الجزيرة الامنية» التي تأوي ارهابيين يعبثون بامن المخيم ويتسبيحون حياة سكانه، وهي تسمية لا يرغبها سكان المخيم الذي هالهم هذا التحول في هوية المخيم الذي ذاع صيته قبل خمس وثلاثين سنة، يومها شعر الفلسطينيون ان الوقت حان لمقاتلة الاسرائيليين الذين جاؤوا باقدامهم الينا، بعد ان تعذر علينا الوصول اليه في ارض فلسطين المسيجة..بالحديد والنار والاسلاك، فخرجوا الى شوارع المخيم وازقته يطلقون النار على حجافل الاحتلال، فكان ان تدمر المخيم، وبقي الفلسطينيون فيه يفاخرون بالمأثرة التي سجلت على ارض المخيم.
 بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، في اعقاب الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران العام 1982، لملم مخيم عين الحلوة اشلاءه المقطعة، بعد ان استهدفته قوات الاحتلال الاسرائيلي بموجات من القصف المدفعي وغارات الطائرات الذي الحقت به تدميرا شبه كامل، وبقيت الساحة الفلسطينية «نظيفة» من اي تنظيم فلسطيني يتخذ من الاسلام فكرا وعقيدة له، الفكر والعقيدة عند الفلسطيني بقيت فلسطين، الى ان بدأت تلوح في المخيم ظاهرة ائمة المساجد الذين راحوا يسوقون لنظرية «ان قضية فلسطين يختصرها مسجد الاقصى»، وهذا ما لم تسلم به بقية الشرائح الفلسطينية التي لم تستسغ بداية الصاق الثوب الاسلامي على قضية الشعب الفلسطيني.
اليوم، يبقى المخيم بؤرة امنية متوترة، تنسج خيوط الموت لسكانه، تقتل الابرياء، تُرعب الاطفال والنساء، تُدمِّر بيوتهم وتدفعهم الى النزوح، ثم يستجدون المارقين بالسماح لهم بالعودة الى الزقاق .. اهذا حلم الفلسطيني ؟!، يسأل كهل فلسطيني وهو يشير بعصاه الى جدار تناهشته رصاصات الاشتباكات الاخيرة التي شهدها المخيم  قبل اسابيع. تغيرت اولويات الفلسطينيين المقيمين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبخاصة في مخيم عين الحلوة، وانقلب المزاج المزاج العام للسكان..  اطلاق النار من اسلحة حربية في المخيم، يسجل على مدار الساعة،  في حفل خطوبة، زفاف، نجاح في شهادة البريفيه او البكالوريا، ولادة قيصرية او وفاة، او بمقتل احد «المجاهدين في سبيل الله» في «ساحات الجهاد» في افغانستان او العراق او سوريا... ففلسطين لم تعد ساحة جهاد، وصولا الى حفلات الجنون المسلح التي تدور بصورة دورية في ازقة المخيم واحيائه، وهي في كل مرة تحصد المزيد من الضحايا والتدمير.
على الدوام يخاف الفلسطينيون من سكان مخيم عين الحلوة، من التطورات الحاصلة على الجبهات العربية والاقليمية، من ان تنعكس عليهم، وثمة مخاوف من ان تترجم خلافات التنظيمين الفلسطينيين الاكثر انتشارا في اوساط الفلسطينيين، الممسكين بالسلطة الفلسطينية بحزأيها المنفصلين، في الضفة الغربية حيث تحكم حركة «فتح» وفي قطاع غزة حيث تحكم حركة «حماس»، سيما وان الطرفين لهما وجود في المخيم، هذه المخاوف تضاف اليها مخاوف ذات طابع عربي او اقليمي، حيث يُسمع همس في اوساط الفلسطينين، عما اذا كانت التطورات الحاصلة في العلاقات العربية ـ الخليجية، بعد تفجر الامة بين السعودية وقطر... ويبرر البعض هذا النوع من المخاوف بالقول.. لقد بات مخيمنا غابة من اجهزة الاستخبارات في العالم، كل العواصم الدولية والاقليمية والعربية لديها «ملائكة» حاضرة حتى في الزواريب!، المخيم اصبح ساحة لتلقي كل انواع الصراعات، بعد ان اصبح الولاء الفلسطيني العام متعددا، لهذا خرجت اصوات فلسطينية تنادي القيادات الفلسطينية بـ «النأي بالنفس» من كل انواع الصراعات الدائرة في المنطقة.
ويٌذَكِّر هؤلاء بالتورط الفلسطيني في الغزو العراقي للكويت، وبتورط بعض الفصائل بالحرب في سوريا، ومن الطبيعي ان يحضر التورط الفلسطيني في الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، والنتائج الكارثية التي اُلحقت بالفلسطينيين. في مطلق الاحوال.. عادت قبل الايام مظاهر التوتر الامني الى المخيم، من بوابة الاشكالات المتعلقة بانتشار القوة الامنية الفلسطينية التي لم تستكملها بعد، بسبب «الرسائل الامنية» المرسلة من مجموعات ارهابية داخل حي الطيرة، والتي درجت القيادات الفلسطينية على وصفها بـ «الخروقات»، ..فهل ُتنبىء هذه المظاهر بجولة جديدة من التأزم الامني الذي غالبا ما يترجم باشتباك، يبدأ محدودا... ثم تتسع دائرته وتصل شظاياه الى الداخل اللبناني.
هل تُبقي الجماعات الاسلامية المتطرفة، «الذائبة» في «غرام» التنظيمات الارهابية التي تقاتل في العراق وسوريا، على مخيم عين الحلوة صندوق بريد لاجنداتها العابرة للحدود؟، سيما وان كل الاتصالات التي اجريت منذ توقف آخر جولة من الاشتباكات،  بغياب اي ضمانة تكفل توفر الاستقرار الامني، طالما ان «الفيتوات» الامنية ما تزال قائمة في معظم احياء المخيم، وطالما ان آلاف الطلقات النارية ومئات القذائف الصاروخية والحصيلة الدموية... لم تستطع ان تفكك «شيفرة» الرسائل الامنية التي تبعث بها الجماعات الارهابية داخل المخيم في كل مرة، الى من يعنيهم الامر.

المصدر : الديار - محمود زيات