عام >عام
بعض من «سيرة بينية» مع العميد
بعض من «سيرة بينية» مع العميد ‎الخميس 27 07 2017 11:12
بعض من «سيرة بينية» مع العميد

حسين سعد

في يوم من أيام 1983، طلب إليّ سكرتير التحرير آنذاك الزميل والصديق العزيز جان غريب، أن أذهب إلى مكتب «العميد» لأنه يوّد أن يتعرّف إلى شاب، انضم للتو إلى أسرة «اللواء» قبل حين.
كان الزميل غريب، غير مسكون، بداء المهنة، كان يتطلع على الدوام إلى من يقدّم إضافة وعوناً، في تجاوز أعباء التحرير وضنى السهر والتعب، بعيداً عن عداوة الكار.. قدّمني على نحو إيجابي الى قلبه..
استقبلني «العميد» بابتسامة ورأفة، وكأنه يعرفني منذ سنوات، تحدث عن الراتب والعمل، والخط التحريري، وهوية «اللواء»..
في الجلسة هذه، تشكّلت كيمياء أخلاقية، ونفسية، مع الرجل، الذي كانت حساباته الأخلاقية، تتقدّم على ما عداها، وحتى على الحسابات المهنية.
وباتت هذه النقطة، ثابتة أو علامة فارقة في مدرسة العميد المهنية.
بدأت العلاقة يشتد عودها يوماً بعد يوم، في حقبة زمنية، تشكّل تحولات بين بداية الثمانينات والمشاريع التي كانت تحيط بلبنان والمنطقة، مع احتلال إسرائيل للبنان، وانطلاق المقاومة، بعد دحر هذا الاحتلال عن سيّدة العواصم بيروت.
كان العميد شديد الحساسية من المشاريع المعادية للبنان والعرب والمسلمين، ومع ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة، بوجه الاحتلال الإسرائيلي، وبداية اندحاره عن صيدا بعد بيروت، ثم الانهيارات المتتالية، تحوّلت «اللواء» إلى منصة لعمليات المقاومة، وتصدرت الاخبار الصفحات الأولى مع الصور والتعليقات والكاريكاتير، وغيرها.
كانت قضية المقاومة الوطنية والإسلامية قضية العميد الأولى.. وهذا ليس بالأمر الغريب عليه، فالبندقية الفلسطينية وجدت طلقتها الأولى على صفحات «اللواء» المجلة مع فجر يناير (كانون الثاني) 1965، مع القائد الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات.
{ مع عميد «اللواء» تحوّلت الوحدة الإسلامية إلى قضية يومية، فوحدة المسلمين، تشدّ عضد الوحدة الوطنية.. وكان الأستاذ عبد يجاهر بانتمائه كلبناني، وعربي، ومسلم..
مثل دين الفطرة، كان دأبه وديدنه فطري، طبيعي، لا تكلّف ولا تصنع، تنساب العفوية في مواقفه بانتقاء الكلمة، والنبرة والتوقيت.
دافع عن بيروت، العاصمة، الجامعة، عاصمة الوحدة، ومركز الاقتصاد، ومركز القرار السياسي، وبقدر ما نظر إلى الجيش اللبناني كمؤسسة وطنية، جامعة ودفاعية، نظر إلى رئاسة الحكومة، كنقطة الثقل في الشراكة الوطنية في السلطة.. فتحوّل عقله إلى ميزان الحركة بهذا الاتجاه..
مع العميد، اكتملت حلقات العمل المهني.. فها هو الأستاذ صلاح، الذي ارتبط بعلاقة أخوّة، وصداقة، مصيرية مع الأستاذ عبد.. فكان «الاساتذة» كما كان يردد الزميل غابي أبو عتمة (رحمه الله) (وهما استاذان فقط) بهجة الجريدة وعزّها. في اللقاءات السياسية، في الحركة التي لم تنطفئ أبداً في مكاتب الجريدة التي تحوّلت إلى خلية نحل، لمعالجة أزمات كبرى كانت تعصف ببيروت والمجتمع اللبناني، من الصليب الأحمر، إلى الصفقات والسمسرات، إلى مشروع الزواج المدني، حيث قاد العميد معركة إحباط مشروع غريب عن هوية لبنان وتركيبته المجتمعية..
في أواخر الثمانينات، أتحفنا العميد ومعه الأستاذ صلاح بزميل مخضرم، طيب، ومحب، ومكّد، ومخلص، وحرفي بامتياز، هو الزميل والصديق والأخ الأكبر عاطف السمرة، الذي تشكّلت بيننا وبينه «صداقة عمر» على الرغم من فارق العمر (أطال الله بعمره).
وصرنا مع العميد والأستاذ صلاح والزميلين عاطف، والدكتور عامر مشموشي، الذي نحفظ له في ذاكرتنا اجمل التحيات والتمنيات بطول العمر والصحة، نجتمع في جلسة أو أكثر كل يوم، للتباحث بالعدد الذي سيصدر في اليوم التالي..
يتمتع العميد بحس مهني وسياسي، واجتماعي فكانت توجيهاته، نبراس العمل، وفانوس الهداية، في عجن الأخبار من خميرة وطنية، تحفظ الوحدة والاستقرار والانتظام الاجتماعي العام..
ربطت الزملاء، وربطتني بالعميد علاقة ثقة، من مداميكها الصدق، والأمانة وحفظ السّر، والابتعاد عن «القلاقل» واللسان الطويل.. استمرت مع استاذنا صلاح، في عمل يومي، ومكابدة مهنية، ليست بالأمر السهل، في صحيفة، طابعها الاستقلالية والابتعاد عن ألاعيب الاثارة، والتحريض، والمانشيتات الاستفزازية والنارية..
لا أنسى، وأنا في هذه العجالة، الاهتمام الذي كان يبديه الراحل الكبير، بشؤوننا نحن الجنود المعلومين والمجهولين، في «اللواء» من اهتمام بصحتنا، ودراستنا، وحتى أهلنا، البعيدين والقريبين..
وكانت ثقته بالزميل هيثم زعيتر في مكانها، وهي عبرت عن نفسها، لدى زيارة كنا برفقته فيها إلى مدينة صيدا، عاصمة الجنوب.. وكان هاجسه وحدة المدينة، بين التنظيم الشعبي الناصري، وتيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفعاليات المدينة، من أطباء ورجال دين، وشخصيات وطنية واجتماعية.
ونظراً لحساسية الوضع، ودقته في الجنوب، كان يطلب غالباً من الزملاء ان يتحققوا من اخبارهم، عبر مكتب صيدا والجنوب، أي عبر الزميل هيثم، الذي شكل صلة وصل وطنية بين صيدا ومخيماتها.
عميد، الرجال تذكر بأعمالها، والرجال معادن.. وأنت من معدن ثمين.. نحن أبناء الأرياف، الذين احتضنتنا العاصمة، وكبرنا فيها، وحققنا بعضاً من طموحاتنا وأحلامنا.. نحفظ لك الشكر الدائم، والمحبة الموصولة بالتاريخ..
نحن، عندما نتحدث عن بعض ما لديك من مناقب.. فهذا بعض من الاخلاقيات، التي تعلمناها منك، ومارسناها بمعية وفي مدرستك..
هذا غيض من فيض..
رحمك الله
على أمل، الاستفاضة في الكلام عن شخصك الكريم، في مناسبات سيبقى ذكرك حاضراً فيها.