عام >عام
تل الزعتر بين جدلية الإسطورة والإنكشاف ومخاطر غياب التوثيق
تل الزعتر  بين جدلية الإسطورة والإنكشاف ومخاطر غياب التوثيق ‎الأربعاء 15 08 2018 11:59
تل الزعتر  بين جدلية الإسطورة والإنكشاف ومخاطر غياب التوثيق

بقلم ظافر الخطيب

ماذا حصل في تل الزعتر ؟ هل هو فقط صمود اسطوري في وجه عدة القتل الفاشية؟ أم انها مذبحة استفرد فيها الفاشيون بنسائنا ورجالنا، اطفالنا وشيوخنا؟ لماذا انكشف الفلسطينيون امام ادوات القتل الكتائبية؟ وهل كان بالامكان حماية الناس من مواجهة التفنن في اذلال الفلسطيني الأعزل من السلاح والإستقواء بالسلاح عليه ؟ ما هو مصير المئات من الشبان والرجال الذين شقوا طريقهم وفق مبدأ (عسكري دبر راسك)؟ هل قتلوا ومن قتلهم ؟ أين هي رفاتهم؟ هل من حق الفلسطينيين و تحديدا ابناء تل الزعتر معرفة الحقيقة؟ مهمة من جمع المعلومات عن حقيقة ما حصل ؟ ما هي الرواية الفلسطينية التي يمكن استخدامها في مواجهة رواية الآخرين؟
يبدي أبناء مخيم تل الزعتر حيوية لافتة في استحضار الذاكرة وهم بذلك إنما يعملون على ملء الفراغ الناشيء عن غياب المؤسسات الرسمية الفلسطينية التي يقع عليها مهمة جمع الوثائق و حفظ كافة المعلومات عن حقيقة ما حصل في المخيم و دراسة النتائج المترتبة على سقوط تل الزعتر و اعني بذلك النتائج التي لا زالت تفعل فعلها في منطقة اللاوعي لتنتج في مفاعليها انكفاءً عن كل ما هو وطني جامع، على اعتبار أن سقوط تل الزعتر وقبله تدمير مخيم النبطية أسس لظاهرة الإنكشاف و تالياً اعطى نتائج بعيدة المدى لا زالت حتى الأن بعيدة عن مستوى الإهتمام المباشر او الغير مباشر.
ساهم غياب الرواية الفلسطينية في تقدم روايات اخرى متحيزة و تفتقد للمصداقية، غير أنه ومن باب أن "الطبيعة لا تقبل الفراغ"، تصير هذه الروايات الأخرى هي المتسيدة، وتحديداً تلك التي تتناول المخيم بطريقة فيها الكثير من الكراهية والتي اصبحت مادة يستخدمها بعض اللبنانيين بكثير من التبسيط الهادف الى ايرادها كجزء من التاريخ اللبناني.
ان غياب التسجيل الصادق للذاكرة الفردية والجمعية للحدث الذي أسس لنظرية الإنكشاف الإنساني امام الحصار والبطش و التصرفات المستعادة من زمن هتلر وموسليني و العصابات الصهيونية، يساهم في تضييع الهوية الوطنية على اعتبار أن الماضي ومجمل الإرث الإنساني هو عنصر اساسي مكون للهوية الوطنية الفلسطينية.
إن المعادلة الثلاثية للزمن (ماضي ، حاضر ، مستقبل) ، هي معادلة متوازنة و بمجموعها تشكل الزمن الفاعل، وهو ما يعني أن غياب اي جزء من المثلث يعني تكسير وتهشيم لا بل فرط لكل المشهد ، فغياب الماضي يعني خلق حالة لا تدرك ذاتها (الهوية) و لا تستطيع ان تتماهى مع الاخر ، كما أن غياب الحاضر يؤدي الى انعدام الإحساس بالوجود ، و غياب او ضعف كليهما (الماضي والحاضر) يضرب القوى الدافعة الذاهبة للمستقبل.
بنشغل كتاب الأعمدة السياسية في التركيز على الحاضر بكل مستجداته، و يغلب على هذه الكتابات اهمال عنصر الإنسان الفلسطيني المتطور بصيغته الحديثة، نزعاته، ميوله، تشكل مواقفه،و غالباً ما تتجه هذه الكتابات الى تأسيس اتجاهاتها التحليلية نحو التيارات السياسية و حركة الأقليم في سياقه الدولي والعكس صحيح ، وعلى الرغم من اهمية هذه الكتابات فإن الحاجة الى الأبحاث العلمية التي تركز على الماضي و أحداثه ونتائجها لا سيما البعيدة المدى تحتل اهمية وطنية قصوى.
لذلك فإن تحرير المعلومات القادمة عن تل الزعتر من الأسر (اسر التخلف والجهل باهمية المعلوات القادمة من الماضي)، ولو من خلال جهود عظيمة يبذلها ابناء تل الزعتر يجب ان يحفز سؤال وجودي اكبر، حول رواية اللجوء الفلسطيني و تحديداً في لبنان، وربما ايضاً في سوريا على اعتبار ان الاستهداف من ذات الطبيعة و إن كان بأدوات مختلفة.
المخيف في الأمر ان المرء يجد نفسه في حالة ضياع كامل على مستوى الجهة والمرجعية التي يجب مخاطبتها و حثها من اجل التفكير الجدي بأهمية تحفيز الدراسات البحثية و اقامة مراكز بحثية فلسطينية تعنى وتهتم بجمع المعلومات ، وربما يعتبر البعض أن الامر لا يحتل اولوية،أو غير ذات أهمية ، والسؤال من يحدد الاولوية وكيف ؟ وهل هناك اولويات فعلية يصطف الجميع تحت سقفها و تحقق الإنسجام والتناغم بين الكل الفلسطيني؟
ثمة في العقل والوجدان الف سؤال وضرورة، فهل ثمة من يستطيع التوغل في عالم الإجابات الأكيدة والمقنعة والمؤسسة على حقيقة ما حصل، حتى ولو كانت الإجابات من النوع المؤلم فإنها تظل برغم من ذلك اجابة؟ هل نرى في افق الحسابات الفلسطينية في لبنان، اولوية تعطى لمعرفة الحقيقة؟حتى ذلك الحين ثمة عناوين اخرى تنضوي تحت سقف انكشاف الفلسطيني والإستقواء عليه وإذا كانت اوضاع الجسد الفلسطيني في الوقت الراهن غير قادرة على حمل عبء العمل والبحث وتالياً تحمل آلام الحقيقة فإن ذلك لا يمنع من الإصرار على طرح الفكرة حتى تصير حقيقة قائمة بحد ذاتها، وحتى يصير ذلك ممكناً تظل جهود أبناء تل الزعتر في نبش الذاكرة بحثاً عن الرواية الفلسطينية ، جهود اكثر من رائعة...