لبنانيات >أخبار لبنانية
"انفجار أكبر نبع في تاريخ لبنان"؟ طوّافات توجّهت إلى المنطقة، وإليكم الحقيقة!
"انفجار أكبر نبع في تاريخ لبنان"؟ طوّافات توجّهت إلى المنطقة، وإليكم الحقيقة! ‎الخميس 18 04 2019 23:36
"انفجار أكبر نبع في تاريخ لبنان"؟ طوّافات توجّهت إلى المنطقة، وإليكم الحقيقة!

جنوبيات

العنوان كبير. "انفجار أكبر نبع في تاريخ لبنان بين جرود كفردبيان فاريا وحدث بعلبك في سهل المرتفعات"، وفقاً للزعم. في متن خبر تناقلته حسابات وصفحات أخيراً، امتار وامتار مربعة ومكعبة ضخمة مزعومة من "المياه المتفجرة" هناك، وايضا من "القوة"، قوة النبع... وقد أمكن "طوافات وطائرات مدنية ملاحظتها". "مياه تنفجر من الأرض، وتصعد حتى 15 مترا بعرض 10 أمتار..."!
أرقام كبيرة، وقياسات دقيقة! كل هذا من الفضاء! ما يجب معرفته هو ان اي أحد، من وزارة الطاقة والمياه وبلديتي كفردبيان وحدث بعلبك، لم يستطع اخيرا الوصول الى هذه المنطقة الجردية لاستكشافها ميدانيا، لكون الطريق التي تصل اليها "مقطوعة حاليا" بسبب الثلوج، بتأكيد الجهات الثلاث لـ"النهار". كذلك، ارسل الجيش اللبناني طوافات في "طلعات روتينية، بحثاً عن النبع الكبير"، ولم يجد شيئا من هذا القبيل"، على ما يؤكد مصدر مطلع في وزارة النفط لـ"النهار". والسؤال: الخبر فبركة خيال جامح؟ مبالغات؟ ما صحة انفجار أكبر نبع في تاريخ لبنان، كما يزعم البوست؟ 
النتيجة: الارقام الواردة في الخبر المنشور "خيالية"، "مبالغ فيها"، و"تضخيم"، وفقا لما تجمع عليه آراء علمية وبلدية معنية، بما يجعل الخبر مشكوكاً في صحته. حتى المعلومة المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي خاطئة، ولا تمت الى الواقع بصلة. كذلك، تقدم الصورة وشرحها المرفقان بالخبر دليلا آخر على عدم جدية المعلومات المذكورة.


الوقائع: منذ ايام قليلة، بدأ تناقل الخبر. "مياه تنفجر من الأرض، وتصعد حتى 15 مترا بعرض 10 أمتار. ولكن فعلياً قوة المياه تنطلق من 7 أمتار، وقد امتدت على مدى السهل الكبير الموجود بين جرود كفردبيان فاريا وجرود حدث بعلبك التي تقدر مساحتها بـ 150 مليون متر مربع. قوة النهر تقدر حاليا بـ20 مليون متر مكعب...".
وقد أرفق الخبر بصورة لنبع يتفجر. وقد كتب عليها: "نبع شبيه بالنبع الذي انفجر في سهل فاريا- حدث بعلبك ذي المنطقة الكبيرة والواسعة".

التدقيق:
-مصدر الخبر جريدة لبنانية. وليست المرة الاولى التي تشكل بعض اخبارها موضع تدقيق، ليتبين بموجبه انها كانت خاطئة.
-الخبر يعرض ارقاما ومعلومات مائية، لكنه لا يذكر المصدر الذي استند اليه للحصول عليها. كذلك يتكلّم على "الخبراء"، لكنه يحجم عن ذكر اسماء.
-ما يجب معرفته اولا هو ان الطريق التي تؤدي الى المنطقة الجردية المذكورة في الخبر، "مقطوعة منذ فترة بسبب تراكم الثلوج"، بتأكيد من البلديتين المعنيتين، كفردبيان وحدث بعلبك، وايضا وزارة الطاقة والمياه. ومن شأن هذا الامر ان يثير تساؤلات جدية عن كيفية وصول هؤلاء "الخبراء" السريين الى منطقة معزولة منذ فترة، حتى ان "البلديتين والوزارة لم تتمكن من ارسال فرقها الى المنطقة بسبب وضع الطريق"، وفقا لما تؤكده الجهات الثلاث لـ"النهار".
-في وقت استحال التوجه الى المنطقة عبر الطريق المعهودة، "ارسل الجيش اللبناني طوافات في طلعات روتينية، بحثا عن هذا النبع الكبير المتفجر"، على ما يفيد مصدر مطلع في وزارة النفط "النهار". ولكن "لم يمكن ايجاد اي شيء مما زعمه الخبر".
-بحثا عن اجوبة ميدانية، نتوجه أولا الى "ابناء المنطقة".
ردا على سؤال "النهار"، يقول رئيس بلدية كفردبيان #بسام_سلامه ان "الخبر المنشور يتضمن مبالغات عدة"، خصوصا على صعيد الارقام التي يذكرها عن "انفجار النبع" و"قوته". من الارقام التي تستوقفه خصوصا، زعم الخبر ان "النهر يبعد 40 كيلومترا عن آخر نقطة جرود عيون السيمان...". هذه المسافة "غير معقولة"، على ما يؤكد سلامه. "40 كيلومترا عن آخر نقطة جرود عيون السيمان يعني اننا اصبحنا في سهل البقاع وما بعده. هذا الامر لا يمكن ان يكون صحيحا".
زعم آخر يعزّز الشكوك حول جدية الخبر. "يدعي ان المياه (المتفجرة من النهر) امتدت على مدى السهل الكبير الموجود بين جرود كفردبيان- فاريا وجرود حدث بعلبك، وتقدر مساحتها بـ 150 مليون متر مربع". ويقول: "مساحة كل مشاع كسروان- كفردبيان تصل الى 60 مليون متر مربع. فمن اين جاء بالـ150 مليون متر مربع؟

ارقام "فوق الطبيعة"، خيالية. ولا شك اطلاقا لدى سلامه ان "لدينا مياها وينابيع في تلك المنطقة. لكن لا يمكن ان نقدم حاليا اي تصور للوضع فيها، لاننا عاجزون عن الوصول اليها. ونحن في صدد التحقق من الامر، لمعرفة حقيقة الوضع هناك".
-الى بلدية حدث بعلبك، حيث يفترض ان تكون مياه النبع "وصلت الى أطراف سهل بعلبك الغربي وكافة سهل المرتفعات ووديانه"، وفقا لما يزعمه الخبر. بدوره، يجد رئيس البلدية #علي_زعيتر "مبالغة" في الارقام الواردة في الخبر. "وفقا لكمية المياه الكبيرة التي يتكلمون عليها، من المفترض ان نرى آثارها في حدث بعلبك. لكن حتى الساعة، لم نر شيئا".
وجود نبع في الجرود ليس مستغربا اطلاقا، "لكن مياهه لا يمكن ان تكون بالكمية المذكورة في الخبر . 20 مليون متر مكعب، وفقا للزعم، تعني ان المياه ملأت سهل البقاع، لكونها نهرا قويا جاريا. الارقام المذكورة مبالغ فيها".
طريق حدث بعلبك - كفردبيان - فاريا "مقطوعة"، بما يجعل مهمة ارسال اي شخص الى الجرود العالية مستحيلة وخطيرة. "ارسلت شرطيا من البلدية ليطلع ميدانيا على الوضع هناك. لكنه لم يستطع الوصول. ومن والمفترض ان نعيد المحاولة في الايام المقبلة".
-رأي علمي الآن. يقول الباحث في الجيولوجيا المائية الهيدروجيولوجي الدكتور #سمير_زعاطيطي لـ"النهار" ان "هذا الحدث الموصوف طبيعي وحقيقي، لأن الصخر الكربوناتي القاسي الممتد بين جرود فاريا وحدث بعلبك، أي بين السفح الغربي لسلسلة لبنان الغربية والسفح الشرقي المطل على البقاع، يمثل مخزنا صخريا كارستيا (بمعنى أن المياه تتسرب اليه من السطح عبر الشقوق والكسور والفراغات الناجمة عن تذويب المياه المتسربة الناتجة من الأمطار أو عن ذوبان الثلوج".


ويضيف: "الظاهرة تدل على أن تخزين المياه بلغ أقصاه، وأن مياه ذوبان الثلوج في القمم العالية لم تجد لها مسارب او مجاري مياه فارغة لتعبئتها كما هي العادة في السنوات العادية. فظهرت المياه بقوة في مواقع منخفضة، حيث تتكشف المجاري والشقوق على السطح مشكلة الحدث الطبيعي. الحالة تشبه حالة الكأس التي امتلأت وفاضت المياه الى الخارج".
لكنه يلاحظ ان "الكيول والقياسات الواردة في الخبر ليست بالدقة المطلوبة علميا. الأرقام المطروحة في غياب خبراء هي للدلالة فقط، مع بعض المبالغة في رأيي، وناتجة من تضخيم وتكبير لحدث، ولا أعرف سبب ذلك". ويخلص: "الظاهرة طبيعية في سنة ماطرة وخير مائي كبير، نذكر بأن ثلاثة أرباعه جوفي، وما يجري على السطح هو الربع فقط، على ما يقول تقرير الأمم المتحدة للتنمية " لبنان المياه الجوفية "- نيويورك 1970".
-"مبالغات"، و"عدم دقة في الارقام"، على ما تجمع عليه الآراء. ويضاف ايضا خطأ آخر اورده الخبر، ويتعلق بـ"سد النهضة الاثيوبي"، اذ يزعم ان "حجم السد يصل الى سعة 4 مليارات متر مكعب من المياه العذبة النظيفة كلياً". في واقع الامور، "السعة التخزينية للسد تصل الى 74 مليار متر مكعب"، وفقا لتقارير اعلامية عدة، منها لموقعي "بي بي سي" البريطاني و"اليوم السابع" المصري.
-نقطة اخيرة. الصورة وشرحها دليلان يضافان الى الاخطاء المتراكمة في الخبر. في واقع الامور، الصورة المنشورة تظهر تفجر "مياه ساخنة" من ينبوع شهير في ايسلندا، في ما يعرف باسم "The Great Geysir". "ينبوع المياه الحارة هذا يتفجر في منطقة Golden Circle الشهيرة في ايسلندا، وتحديداً في وادي هوكادالور شرق جبل لوغافيل. وهذه المنطقة غنية خصوصاً بالينابيع الحارة.
وتشبيه هذا النبع الايسلندي بالنبع في جرود كفردبيان لا يصح، نظرا الى الاختلاف بين طبيعتي النبعين. ويشرح الدكتور زعاطيطي ان "مياه النبع الساخنة سببها صخور بركانية موجودة في المكان. اما ما نجده بين جرود فاريا وحدث بعلبك، فهو صخر كربوناتي قاس يمثل مخزنا صخريا كارستيا". ويضيف: "العملية الكارستية تحصل طبيعيا على سطح الصخور الكاربوناتية القاسية من تشقق وتفسخ وتذويب، وتزيد حجم الفراغات التي تسمح بتسريب المياه الى السطح وبالتخزين في العمق".
توضيح أخير. في اتصال بـ"النهار، يقول المسؤول الإعلامي في بلدية كفردبيان وليد بعينو إن "المشاعات المشار اليها في الخبر المتناقل هي مشاعات كفردبيان، وليس فاريا". ويدعو جميع وسائل الإعلام إلى "استقاء المعلومات الصحيحة من مصادرها، أي المكتب الإعلامي لبلدية كفردبيان". 
النتيجة: الخبر المنشور خيالي. تجمع الآراء على ان الارقام الواردة في الخبر المنشور "خيالية"، "مبالغ فيها"، و"تضخيم"، مع الاشارة الى ان وجود ينابيع في المنطقة الجردية المذكورة "ظاهرة طبيعية".الى جانب عدم ايجاد طوافات الجيش اللبناني اي شيء مما يزعمه الخبر، يضاف ايضا ان المعلومة المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي خاطئة، ولا تمت الى الواقع بصلة. اما الصورة والشرح المرفقان بالخبر فيزيدان اليقين ان مُفبرِك الخبر لا يفقه شيئا في الموضوع المائي. اختراع للتسلية.