عام >عام
بمُناسبة الحملة الوطنية للتوعيةِ حول علاقة مرض السكري وأمراض القلب والشرايين: قراءة في الواقع الوطني والعالمي في نهاية العام 2019
بمُناسبة الحملة الوطنية للتوعيةِ حول علاقة مرض السكري وأمراض القلب والشرايين: قراءة في الواقع الوطني والعالمي في نهاية العام 2019 ‎الجمعة 11 10 2019 14:56
بمُناسبة الحملة الوطنية للتوعيةِ حول علاقة مرض السكري وأمراض القلب والشرايين: قراءة في الواقع الوطني والعالمي في نهاية العام 2019

الدكتور طلال حمود

بمُناسبة الحملة الوطنية للتوعيةِ حول علاقة مرض السكري وأمراض القلب والشرايين : قراءة في الواقع الوطني والعالمي في نهاية العام 2019 -الجزء الاول-

1- مُقدمة: في البداية يُمكننا تبسط الأمور والقول
بإنّ مرض السُكّري المُزمن هو حالةُ وفاةٍ مُبكرة للقلب ويتصاحبُ معها إرتفاع مُزمن للسكرِ في الدمّ. وقد
يُصاحبها أيضاً فِقدان النظر وقُصور الكلى، وغيرها من الإختلاطات الخطيرة. كذلك يجبُ القول أن مرضَ تصلّب الشرايين التاجيّة للقلب والشرايين المُحيطة وشرايين الرقبة ( الدماغ) رائجٌ جداً عند المرضى المُصابين بمرض السُكّري. بحيث أن %80 تقريباً من الوفيات عند هؤلاء المرضى ناتجةٌ عن هذه الأمراض.
وفي %75 من الحالات يكون هُناك إصابة في الشرايين التاجيّة للقلبِ . Coronary artery disease ويسبّبُ مرض تصلّب الشرايين أكثر من %75 من أسباب دخولِ
ِ المُستشفيات عند هؤلاء المرضى. كذلك من المعروفِ أن حوالي %50 من المرضى الذين يتمّ تشخيصُ مرض السُكّري لديهم يكونون يُعانون من مرض تصلّبِ الشرايين التاجية للقلبِ في وقت هذا التشخيص. ما يعني أن مُشكلات إستقلاب السكر كانت موجودةً لديهم منذ فترة طويلة قبل تشخيصِ مرض السُكّري. وعندما يتمّ تشخيص هذا المرض يكون للأسف قد فات الأوان عندهم بالنسبة لشرايين القلب. وهذا ما يعني أيضاً أهمية الفحوصات والمسح المُتكرر لتشخيصِ مشاكل إستقلاب السكرِ عند كل المرضى باكراً من أجل منع تطوّر التعقيدات بشكلٍ صامت، خاصّهً
عند المرضى الذين يعانون من مُتلازمة الأيض Metabolic syndrome التي سوف نُخصّص لها مقالات خاصة . كذلك نشيرُ إلى أن حوالي ثُلث المرضى الذين يعانون من ذبحات قلبية حادّهٍ يكون لديهم مرض سُكّري غير مُشخّص عند وصولهم إلى المُستشفيات بحالةٍ طارئةٍ. وهذا مُؤشرٌ أيضا لخطرِ العلاقة بين مرض السُكّري وتأثيراته السلبيّة جداً على القلب. وفي مقالةٍ مشهورةٍ جداً نشرها: Haffner وزملائه في مجلة الطب الأمريكية المشهورة: New England Journal of Medicine ظهر أن مُجرّدَ وُجودِ مرض السُكّري يضعُ المريضَ في خانةِ الخطر الشديد المُشابهة للمريض الذي تعرّض لذبحةٍ قلبيةٍ حادةٍ بالنسبةِ لخطر تكرار الذبحات القلبية في المستقبل. فكيف يكون الحالُ إذا ما كان المريضُ يعاني من السُكّري وتعرّضَ أيضاً لذبحة قلبيةٍ. فهنا تزداد الخُطورة بشكلٍ كبيرٍ وتصِلُ إلى حوالي %45 خلال 7 سنوات (أنظر اللوحة المرفقه).

2-بعض الإحصائيّات
و الأرقامِ المُخيفة: مَن منّا لايعرفُ أن مرضَ السُكّري يُشكّل حالياً هو والبدانة احد اهم واخطر أمراض العصر. وهما حقاً حالياً "مُشكلة صُحيّة عالميه، خطيرة وشائعة" تسعى جميع الحكومات في العالم ِللحدّ منها. خاصةً وأنه في كل ثانيةٍ تمرّ هناك شخصٌ يتوفى من مرضِ السُكّري في مُختلف أنحاءِ المعمورة. وفي كل عشرة ثواني تمرّ يتمّ تشخيصُ حالتين جديدتين من السُكّري. وهو يقتلُ بشكلٍ صامتٍ حوالي 3 ملاين ونصف شخص سنوياً. وكل هذه الأرقام في حالهِ ازديادٍ وتفاقم مُستمرٍ ومُخيف. بحيث تُشير الأحصاءات العالمية إلى أن هذا المرضَ لايزال في توسّعٍ مُستمرٍّ في السنوات الأخيرة. ففي حين كان عدد المُصابين به حوالي 171 مليون في العالمِ سنة 2000. من المُتوقع أن ترتفع
ً أعداد المُصابين به إلى 450 مليون مريض او اكثر في عام 2030. ومن المُهمّ هنا أن نُشير أن هذه الزيادة العالمية تحصل أكثر في الدول النامية حيث أن مُعدّل الزيادة بين سنة 2000 وسنة 2030 يصل إلى 284% في أمريكا الجنوبية و 260% في أفريقيا 263% في دول الشرق الأوسط و 204% في الصين و 251% في الهند.
بينما تبلغ نسبةُ الزيادة مستويات أقلّ
ً خطورة في أوروبا 41% وفي أمريكا الشمالية 72% وفي أستراليا 65%. أما في الدول العربية وفي دول الشرق الأوسط الأخرى فإن هذا المرض يبلغُ مستويات عالية جداً بحيث تتراوحُ نسبته بين 3% في إيران وحُوالي 21% في الإمارات العربية المتحدة. وتصلُ هذه النسب إلى حوالي %15 في لبنان . ويصلُ المُعدّل الوسطي لهذا المرض في دول الشرق الأوسط إلى %9.2 عند الأشخاص البالغين 20 إلى 79 سنة. وُنقدّر أن من بين أعلى 10 مراتب في نسب السكري في العالم 6 دول منها توجدُ في الشرق الأوسط. ومِمّا يزيدُ من خطورةِ هذا المرض هو أن حوالي ربع المرضى الذين يحملون أو يُعانون من هذا المرض لا يشكون من أية أعراض ٍسريرية. وقد تمرُّ سنوات عديدة من تفشّي آثار هذا المرض في أجسامهم دون أن يلتفتوا إلى ذلك أو أن يبدأوا في علاج مرضهم. وهنا تكمُن أهمّيةُ الكشف المُبكر عن هذا المرض عن طريق إجراء مسح شاملٍ في المُجتمع. لأن ذلك قد يسمحُ بتشخيصِ المرض قبل 10 الى 12 سنة قبل بداية حصول الأعراض وظُهور العلامات البيولوجية والسريرية له. ولهذا الكشف المُبكر قيمة كبيرة في الوقاية من ذلك وفي علاج مرضى السُكّري بشكلٍ فعالٍ.

3- الإختلاطات والتعقيدات التي يُسبّبها السكري:
سوف نتكلّمُ في هذا القسم عن أهمّ تلك الإختلاطات التي نراها خاصة عند مرضى السكري من النوعِ الثاني. والتي تنتجُ عادةً عن إرتفاعِ السُكّر المُزمن في الدم، إرتفاع
الضغط الشرياني، إرتفاع الدهنيات في الدم وعامل آخر خطير هو عامل مقاومة الأنسولين Insuline resistance يُصاحبه عدّة تغيّيرات بيولوجية اهمّها زيادة نسبة وخطورة بعض انواع الدهنيات وبعض عوامل التخثّر والتجلّط في الدم وكلّها تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وكل هذه العوامل تؤدي أمّا إلى إصابة :

أ- الشرايين الكبيرة في مُختلف أنحاء الجسم Macroangiopathy or Macrovasculopathy : وهي تؤدّي إلى إصابةِ كل هذه الشرايين الكبيرة في الجسمِ تقريباً وخاصةً شرايين الدماغ حيث تؤدّي إلى جلطاتٍ دماغيةٍ دائمةٍ أو مُؤقتة وإلى حالات شللْ او إعاقات جسدية بالغة الخطورة من المُمكن تفادي وقوع بعضها لو ان التشخيصَ تمّ بشكلٍ مُبْكرٍ . وفي الشرايين التاجية للقلب حيث تؤدّي إلى مرضِ تصلّبِ الشرايين التاجية للقلبِ والإصابة بالذبحات القلبية والأضرار الشديدة الخطورة بعضلةِ القلب، ممّا قد يؤدّي لاحقاً إلى قصورٍ في عضلة القلب. وفي شرايين الأطراف حيث يؤدّي المرض إلى إصابات مُتنوعة قد تؤدّي إلى بترِ الأطراف في الحالات المُتقدمة. وهنا نُشير الى انّ مرض السُكّري هو السبب العالمي الاول لحالات بترِ الأطراف في مُعظمِ دول العالم بسبب تلك الإصابات.

ب- الإصابات او التغيّرات الشريانية في الشرايين الصغيرة والشعيرات الشريانية في مُختلفِ أنحاءِ الجسم Microangiopathy or Microvasculopathy :حيث تُؤدّي هذه الإصابات الى مشاكلٍ خطيرةٍ قد تصيبُ العين وتؤدّي إلى مشاكلٍ مُتنوعة في الشبكية وتزيد من الإصابات في امراض الماء الزرقاء والماء السوداء في العين Cataracte and Glucoma.
وتُصيبُ أيضاً الشرايين الصغيرة في الكلى. وتؤدّي إلى أضرارٍ مُتنوعة فيها قد تتراوحُ خُطورتها بين زيادة إدرارِ البروتينات في البول إلى الإصابةِ بالقُصور الكلوي بدرجاته المُختلفة والتي قد تصلُ إلى درجةٍ مُتقدمة مع الحاجة إلى غسيل الكلى Kidney dialysis أو إلى زراعة الكلى كحلّ وحيد من أجل البقاء على قيد الحياة.
وقد تُصيبُ أيضا هذه المشاكل الشُعيرات الشريانية الموجودة في شرايين الأعصاب وتؤدّي إلى مشاكلٍ عصبيّة مُتنوعة وآلام شديدة في مُختلف أعصاب الجسم Diabetic neuropathy. وهذه الإصابات العصبية تفاقمُ من حالات بتر الساقين بسبب صعوبة إلتئام الجروح وفقدان الأحساس في الساقين. ونشيرُ في هذا المجال تحديداً ايضاً وبسبب اصابة هذه الشعيرات الشريانية إلى أن مرضَ السُكّري يُعتبر السبب الأول لفقدانِ النظر عند البالغين العاملين، والسبب الأوّل لحالات القُصور الكلوي المُتقدّم والسبب الأوّل لحالات بتر الأطراف الغير ناتجة عن حوادث سير او حوادث عمل أو إصطدامات. كما أنه يزيد من مرتين إلى أربع مرّات حالات الوفيّات الناتجة عن مشاكل قلبية أو وعائية أو عن جلطات دماغية مقارنة مع غير المُصابين بمرض السُكّري.

4- تأثير السُكري على أمراض القلب:
تُمثّل أمراض القلب والشرايين السبب الأول للوفيات عند المرضى المُصابين بمرض السكري. وتظهر الدراسات التشريحية بعد الوفاة بأن %75 من مرضى السكري لديهم إصابات مُتقدّمة في شرايين القلب. وقد أظهرت دراسات مُتعددة أُخرى أن وجودَ مرضُ السكري يزيد 5 مرات خطر الإصابة بمرضِ تصلّب الشرايين التاجية للقلبِ عند الرجال و 2،4 مرات خطر هذه الإصابة عند النساء. ومن المعروف أيضا أن مرضى السكري لديهم نقص تروية صامت بسبب إصابة الشعيرات الشريانية الصغيرة التي تغذّي الأعصاب لديهم وبسبب قلّه حركتهم. ولذلك لا تظهر الأعراض لديهم إلا بعد تقدُّم المرض الشرياني. وهنا تكمُن أهمية الفحوصات الدورية للكشف المُبكر عن هذه الأعراض عند مرضى السكري قبل أن يكون المرض قد اصبح في مراحلة المُتقدّمة.

أما عن العواملِ التي تتسبّب في زيادةِ خطر الإصابة بمرضِ تصلّب الشرايين عند مرضى السُكّري فلا بد لنا اولاً من ذكرِ العوامل التي لها علاقة بعامل مقاومة الأنسولين Insuline resistance والذي يُؤدّي إلى زيادة نسبة ِالسُكّرِ في الدم وإلى إرتفاع الضغط الشرياني وإرتفاع الدهنيات في الدم. وكذلك الى ظهور عوامل أخرى ُمتعددة مثل تغيّرات إستقلاب الدهنيات في الدم وظُهور دهنيات أكثر خطورة وأكثر قابليةٍ على تسبّبِ مرض تصلب الشرايين التاجية للقلب، زيادة عوامل تجلّط وتخثّر الدم وزيادة مُؤشرات الإلتهابات في الجسمِ. إضافةً إلى أن مرضى السكري يتأثرون أكثر من غيرهم بعوامل الخطورة الأخرى المُسبّبة لأمراض القلب والشرايين مثل إرتفاع الضغط الشرياني وقلّة الحركة والبدانة التي نعلمُ أن نسبتها أكبر عند هؤلاء المرضى لأسبابٍ واضحةٍ ومعروفة.
ونُضيفُ إليها العوامل الأخرى مثل التدخين والعوامل الوراثية والتقدم بالسن والجنس الذكري والتي نعرف أنها أيضا تزيد من مرض تصلُب الشرايين.
كل هذه العوامل التي ذكرناها سابقاً تتفاعل فيما بينها وتزيد من الخطرِ القلبي لكل هذه "العمليات الأستقلابية (الأيضية)" Metabolic syndrome عند كل الاشخاص الذين يُعانون خاصة من بدانةٍ في البطنِ Abdominal obesity لأن كل هؤلاء المرضى مُعرضون لأن يصابوا لاحقاً بمرضِ السكري وحصول كل التعقيدات والاختلاطات التي ذكرناها سابقاً عندهم. والتي يجب علينا البحث عنها بكل الوسائل الطبية المُمكنة وإستعمال كل الوسائل الآيلة لتخفيفها كما سنرى لاحقاً لأن ذلك يعتبُر من اساسيات واهم دعائم علاج مرض السكري, خاصة وانه وكما ذكرنا سابقا، لأن هذه الأختلاطات المُتعددة وخاصة إصابة الشرايين الكبيرة في الجسم قد تكون بدأت بالظهور في شرايين المريض وجسمه لسنوات عديدة قبل أن يتمّ تشخيص مرض السُكّري الواضح والصريح . حيث أن المريضَ يكون قبلها في "مراحل خلل إستقلاب السُكّر في الدم " فقط أو ما نسمية بمراحل "ما قبل السكري Pre diabetes" ، ومن هنا تكمن كما سُنكرر دائماً أهمية إجراء الفحوصات المُختلفة من أجلِ التشخيص المُبكر لهذه الحالات ( حالة السُكّري و حالة ما قبل السُكّري) من أجل البداية المُبكرة في العِلاجات اللازمة.