مقالات مختارة >مقالات مختارة
ظاهرة عمالة الأطفال الفلسطينيين في المخيّمات تتفاقم صيفاً... لإعالة عائلاتهم المحتاجة
ظاهرة عمالة الأطفال الفلسطينيين في المخيّمات تتفاقم صيفاً... لإعالة عائلاتهم المحتاجة ‎الخميس 11 08 2016 10:40
ظاهرة عمالة الأطفال الفلسطينيين في المخيّمات تتفاقم صيفاً... لإعالة عائلاتهم المحتاجة
أحمد يتمنى العودة إلى المدرسة.. ولكن العين بصيرة واليد قصيرة

ثريا حسن زعيتر

يشتد الخناق وطوق المعاناة على اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات الشتات، حيث تعيش الآلاف من العائلات في ظروف معيشية صعبة، بين تقليص خدمات «الأونروا» لتقديماتها واستمرار حرمانهم من الحقوق المدنية والاجتماعية في لبنان، فيدفع الأطفال ضريبة الفقر، وينسون براءاتهم، ويتوجّهون إلى سوق العمل بهدف المساعدة في إعالة عائلاتهم...
ظاهرة عمالة الأطفال الفلسطينيين في المخيّمات تكبر يوماً تلو آخر، بعدما أجبرت الأزمة الاقتصادية الخانقة والبطالة والفقر، المئات منهم على ترك مدارسهم، أو انتظار العطلة المدرسية صيفاً للالتحاق بورش العمل، من أجل كسب المال والمساهمة في مساعدة عائلاتهم المحتاجة لتأمين قوت اليوم، ما أدّى إلى إلحاق الأذى بهم، وتعرّضهم لمخاطر جمّة، خاصة أنّ الأعمال التي يمارسونها تتجاوز قدرة أعمارهم على العمل بها، وتحديداً في مجالات مهن الميكانيك والنجارة والحدادة والبناء والزراعة وغيرها، فيما آخرون يبيعون الفول والترمس والحلويات موسمياً...

{ فاطمة (14 عاماً) تخلّت عن كل أحلامها الوردية، وتركت ألعابها الصغيرة البريئة، «الغميضة» و»بيت بيوت» واللهو في «الحارة»، وكبرت قبل أوانها، بعدما أجبرتها ظروف الحياة الصعبة، على العمل في سن مبكرة، فاليدان الناعمتان بات عليهما مسؤولية ترتيب الأغراض في المحل، كما على القدمين الوقوف ساعات وساعات كي تحافظ عل مصدر عيشها الجديد.
تقول فاطمة: «اضطررت للعمل في محل لبيع الملبوسات. لقد تناسيت كل أحلامي، وطفولتي، كما اضطررت إلى ترك المدرسة، فوالدي توفى منذ سنوات بمرض عضال، ووالدتي مريضة تئن تحت وطأة الوجع وثقل الدواء، فجأة أصبحتُ مسؤولة عن العائلة المؤلّفة من أربعة أشخاص، وفجأة وجدتُ نفسي كبيرة بلا أحلام. أعمل كل يوم من الثامنة صباحاً حتى السادسة مساء براتب يكاد لا يكفي الاحتياجات الضرورية أمام الغلاء وارتفاع الأسعار، لكن أفضل من مد اليد وطلب العون.
فاطمة، واحدة من عشرات الفتيات الصغيرات اللواتي وجدن أنفسهن في سوق العمل، يعملن في مهن لا تحتاج إلى شهادة علمية، ولا حتى إلى خبرة، تؤكد «أنّني اضطررت إلى أن أشتغل وأترك المدرسة حتى أعيل أهلي. كنت أعتقد بأنّ العمل سهل، لكن بعد مرور عام فسنوات، صدمت بواقع مرير لا مفر منه، حتى يكبر إخوتي ويتعلموا ويعملوا، وحتى إنّني أخاف أنْ أجد نفسي دون سابق إنذار بلا عمل، أمام تدفّق عمل النازحين السوريين وبراتب أقل».
عمل وعرق
{ أما محمد (13 عاماً) يمسح جبينه، الذي يتصبّب عرقا مع ارتفاع الحرارة والرطوبة، وهو يقوم بنشر لوح خشبي في منجرة معلمه، فيتنهّد ويقول: «كان يجب أن أكون اليوم في البحر، أسبح وأمرح مثل رفاقي بدلاً من العمل، لكن الظروف قادتني الى هنا مرغما. لقد تركت المدرسة سعيا وراء تأمين عيش عائلتي وما زلت أعاني من مشقة العمل».
وأضاف: «تركت المدرسة مبكراً، وأنا بالصف الرابع ابتدائي، وتعلّمت «النجارة» من معلّمي الذي أشتغل معه، ويعطيني عشرة آلاف ليرة لبنانية في اليوم. وإذا مرضتُ أو عطّلتُ لا يدفع لي، لذا أنا حريص على العمل كل يوم حتى أساعد أهلي، لأن والدي يعاني من داء خطير، والدواء غالٍ، وكل فترة لا بد من أنْ يقوم بتصوير صور أشعة، ويتلقى العلاج.. لم أعد أفكّر بنفسي ولا بتعبي، ولا بطفولتي التي حُرمتُ منها، وإنّما في مساعدة عائلتي كي تعيش بكرامة».
أسباب ودراسات
{ وتؤكد «اللجان الشعبية الفلسطينية» أنّ تراجع ميزانية «الأونروا» وتقليص خدماتها المقدّمة للاجئين، وتراجع تقديمات «منظّمة التحرير الفلسطينية» بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها لأسباب سياسية، أدّى إلى تفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وعلى كل مكونات الأسرة، والأرقام التي أظهرتها الدراسات الميدانية عن زيادة الفقر في المخيّمات تشير إلى مدى صعوبة العيش، فقد وصلت حالة الفقر المدقع إلى (%66,4) بحسب دراسة للجامعة الأميركية بالتعاون مع وكالة «الأونروا» ونسبة البطالة وصلت إلى (70%)، بحسب دراسة لمؤسسة «شاهد».
وذكرت دراسة لـمعهد الدراسات التطبيقية الدولية النرويجي (FAFO)» و»جمعية المساعدات الشعبية النروجية» في لبنان بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان وأوردتها منظمة «ثابت» أنّ 10% من الأطفال العاملين هم في الرابعة عشر من عمرهم، بينما 30% من الأطفال العاملين هم في الخامسة عشرة من عمرهم، وتلاحظ الدراسة أنّ 35% من الأطفال العاملين هم في السابعة عشر من عمرهم، وأنّ20% فقط من الأطفال العاملين مسجلين في المدارس والآخرون بالكاد حصلوا على قدر محدود من التعليم وهناك اختلاف بين وضع الذكور ووضع الإناث، فالأولاد (10   17 سنة) بشكل عام يعملون لدعم الأسرة بينما الفتيات يتعرّضن «للقيود الاجتماعية» و»الزواج المبكر» وفي الوقت نفسه، فإنّ نسبة الفتيات اللواتي يتركن المدرسة مبكراً (أقل من 14 سنة) لا يعملن فقط في المنزل بل بعضهن ينخرطن في أعمال محلية داخل المخيم».
أمنية طفولية
{ أمام هذا الواقع، والإحصائيات، لم تشفع لهم أعمارهم الصغيرة ولا حتى نعومة أظافرهم، فودّعوا أزقّة المخيّم الضيّقة التي طالما شهدت شقاوتهم، ليدخلوا معترك العمل، هكذا «تحالفت» الظروف الاقتصادية الصعبة مع أوضاع عائلاتهم على العديد من الأطفال، لتلقي بهم في ميادين العمل الذي يعرّضهم لمخاطر كثيرة، منها ما هو نفسي ومنها ما هو جسدي، ليجسّد أحمد (11 عاماً) الذي يعمل في حدادة السيارات، حلم الطفولة بدعاء وأمنية «يا ريت إرجع مرّة تانية على المدرسة من جديد، أيام المدرسة كتير حلوة، يا ريت إرجع إلعب مع رفاقي»، بضحكة برئية بعيداً عن شقاوة العمل.. لكن الوضع المادي لا يسمح.

 

محمد .. منشار الحاجة مزّق براءة طفولته