عام >عام
مقاربة تاريخية وبيئية لمرفأ عدلون
مقاربة تاريخية وبيئية لمرفأ عدلون ‎الثلاثاء 26 01 2016 13:02
مقاربة تاريخية وبيئية لمرفأ عدلون
مرفأ عدلون

هشام يونس

متابعة للملف الذي فتحته «السفير» حول أهمية موقع شاطئ عدلون التاريخية والبيئية وضرورة حمايته من التعديات والمشاريع («السفير» 10 و17 /11/2015)، وبعد بدء أعمال حفر وردم البحر قرب مرفأ الصيادين في عدلون من قبل المتعهّد بتنفيذ «الميناء البحري للصيد والنزهة» واستقدام آليات أدّت الى تخريب الشاطئ والصخور التي تمثّل غنى طبيعياً وخصوصية بيولوجية، وتوجيه وزير البيئة كتاباً الى وزير الأشغال والنقل يطلب فيه وقف الأعمال الجارية والتي تشكل مخالفة لأحكام القانون 4442002 والمرسوم 86332012 لجهة إلزامية إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع المقترح وإخضاعها لمراجعة وزارة البيئة وعدم مباشرة الإدارة الرسمية المعنية بالمشروع بإنشائه (إذا كان مشروعاً عاماً) أو عدم إصدار الإدارة الرسمية المختصة الترخيص المطلوب له (إذا كان مشروعاً خاصاً) قبل صدور موقف وزارة البيئة من هذه الدراسة التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية البيئة البحرية».
وبعد أن وجّهت جمعية «الجنوبيون الخضر» كتاباً إلى وزارة البيئة تطلب فيه «إعلان شاطئ عدلون محمية طبيعية وأثرية ومنع أي أعمال إنشائية على الموقع لتنوّعه وخصوصيته البيولوجية حيث يعتبر الشاطئ أحد آخر مواقع تعشيش السلاحف البحرية»... توجّهت الجمعية بالمطالعة التالية عبر «السفير»:
من شأن المراجعة الخصوصية والأهمية البيئية لشاطئ عدلون أن تفضيا إلى توضيح جانبين، الأول يتعلق بحيويته وتنوعه الأحيائي والثاني يؤشر إلى الدور الذي لعبته هذه الخصوصية في تأسيس المدينة القديمة هناك.
خلص التقرير النهائي المتعلّق «بتحسين فهم وإدارة ومراقبة المنطقة الساحلية» في إطار مشروع «مراقبة المصادر البيئية في لبنان» Environmental Resources Monitoring in Lebanon ERML، والصادر في آب 2012 عن جامعة البلمند (وهو المشروع الذي موّلته الحكومة اليونانية بملغ 1.64 مليون دولار، عقب حرب تموز 2006، ونفّذته وزارة البيئة اللبنانية بإدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في لبنان)، إلى تقييم الساحل وتصنيف مواقعه الحساسة من حيث النظم الايكولوجية، والتعرف إلى التهديدات الرئيسية التي تواجهها. بالإضافة إلى وضع قاعدة بيانات للمواقع الطبيعية والبيولوجية والثقافية المتدهورة أو المهدّدة على الساحل.
وقد اعتمد التقرير في تحديده لأهمية المواقع ودرجة حساسيتها بأولوية الاهتمام على معايير اتفاقية التنوع البيولوجي وكذلك تلك المعتمدة لدى اليونسكو ومركز التراث العالمي (WHC). وقد تمّ تصنيف خمسة عشر موقعاً حساساً تمثل مواقع ذات أولوية قصوى للحماية، منها: ثمانية مواقع إيكولوجية، ثلاثة مواقع الثقافية، وأربعة إيكولوجية وثقافية (من ضمن 59 موقعاً على طول الساحل اللبناني صنفت بالتدرج من الأكثر إلى الأقل حساسية وفق المعايير السالفة الذكر).
الحاجة الى إدارة خاصة
وقد جاءت بلدة عدلون (كهوفها وشاطئها) من بين تلك المواقع الخمسة عشر، واحدة من بين أربعة مواقع في لبنان ذات الأهمية العالية على المستوى البيئي والتنوع البيولوجي والتراثي الثقافي، التي أوصى التقرير بإتخاذ إجراءات حماية وإدارة فورية لها من قبل الوزارات صاحبة الاختصاص. سواء لتنوّع تضاريسها بين شواطئ رملية تتردّد إليها السلاحف البحرية للتعشيش أو صخرية بمسطحاتها مما يتيح تنوعاً بيولوجياَ أوسع، على المستوى الإيكولوجي أو بمواقع آثارها على الشاطئ والكهوف التي لحظها باعتبارها جزءاً من الساحل ( تبعد قرابة 300 متر عنه).
يؤكد التقرير الهام، الذي لم يحظَ بالاهتمام والمتابعة اللذين يستحقهما، على ما سبق وذكرناه من أهمية عدلون الكبيرة وذات «الأولوية القصوى»، بحسب التقرير، لاتخاذ إجراءات حماية فورية لها من ضمن مخطط تنمية وإدارة مستدامة محلية للبلدة وكامل المحيط يعتمد الحـفاظ على هذه المزايا البيئية والثقافية لخلق فرص تطوير حرفي ومهني واقتصادي شامل.
ومن الواضح أن المشاريع التي لا تلحظ حفظ هذه المزايا وتنميتها والاستثمار فيها، ليست محكومة بضيق الفائدة بالحد الأدنى، بل أكثر من ذلك إذا لم تأخذ بأسباب حماية هذه الخصوصيات والمزايا، فإنها بالتأكيد ستشكل ضرراً على الموقع وكامل المحيط وبالتالي على نسيجه المجتمعي وتحرمه فرصة تنمية حقيقة مستدامة في المستقبل.
عدلون التاريخية ـ مآروبو
إلا أن ما يفيد من هذا التقرير الهام، في جانبه التراثي والثقافي، ليس فقط الإشارة إلى خصوصية عدلون الثقافية، بل لعلنا نستطيع الإفادة من بيان هذه المزايا الإيكولوجية للموقع والذي لم يتغير كثيراً منذ ما قبل العهد الفينيقي بالحد الأدنى، إذ سبق لعلماء آثار عملوا في الموقع أن أشاروا إلى أن تضاريس الموقع لم تتغيّر لفترات أبعد.
فإذا كان الفينيقيون قد وجدوا في تضاريس الشاطئ موقعاً مثالياً لبناء مدينتهم القديمة إلا أن ما أسهم في تطورها هو غنى محيطها الإيكولوجي.
وهذا إيضاً يفسر وجود الأجران التي يرجح استخدامها للدباغة وتجفيف السمك وإيضاً كملاحات وهي بعض من مواد رئيسية في تجارة الفينيقيين.
لقد مارس الفينيقيون بالاستثمار في خصوصية الموقع الذي لم يتعرض للتنقيب إلى اليوم، سياسة «مستدامة» سمحت لهم بتطوير المدينة مع الحفاظ على خصوصياتها التي بقيت إلى يومنا هذا والتي تطورت واتسعت تباعاً وامتدت على مئات الأمتار في محاذاة الشاطئ على ما تظهر الآثار الفائقة الأهمية والموجودة من دون أي رعاية على امتداد مئات الأمتار من الشاطئ (2.5 ـ 3 كلم) بداية من شمال منطقة المينا (أبو زبل وحتى خليج أبو الزيد جنوباً).
إن هذا يعيدنا إلى أهمية موقع شاطئ عدلون البيئي والأثري وضرورة اتخاذ إجراءات حماية فورية له والمبادرة إلى وضع خطة تنميته متكاملة له بالنظر إلى هذه المزايا. فضلاً عن أن أي أعمال إنشائية أو ردم على الموقع لا يمكن أن تؤدي إلى حفظ هذه المزايا بل بإلحاق الضرر البالغ بهذه التضاريس والخصوصيات الإيكولوجية بشكل غير قابل للإصلاح وهو ما سينعكس على التنوع البيولوجي والثروة السمكية، والذي بالتالي ستكون له تداعيات كبيرة مباشرة على حرفة صيد السمك والمـــهن المرتبطة بها وبالتالي على البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلدة والمحيط.