مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
د. حسان الحلاق «حارس التاريخ»... وداعاً
د. حسان الحلاق «حارس التاريخ»... وداعاً ‎الخميس 18 05 2023 08:12 هيثم زعيتر
د. حسان الحلاق «حارس التاريخ»... وداعاً

جنوبيات

شكّل رحيل الدكتور حسّان علي الحلاق، صدمةً كبيرة لكل من عرفه أو سمع عنه.
رحيل مُفاجئ، وهو في أوج العطاء، والحاجة إلى أمثاله، في ظل مُحاولات كي الوعي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، عبر المشاريع التآمرية الهادفة إلى تزوير التاريخ وتشويه صورة الإسلام السمح.

فخامة الاسم وحدها تكفي...
تاريخ بيروت الحيّ، رحل إلى جوار ربّه عن 78 عاماً، أمضى أكثرها في العلم والتدوين، وحماية تاريخ مدينته التي أحبّها وأعطاها الكثير، فأعطته أكثر فأكثر.

برحيل الدكتور حسان الحلاق، خسرت «بيروت المحروسة»، كما كان يُحب أن يُسميها، وأهلها وناسها، بل وخسر لبنان وفلسطين الوطن العربي، واحداً من أكثر «حرّاس التاريخ» أمانة وصدقاً.

وثّق يوميات «بيروت المحروسة» على أوراق من حبر وعرق وتعب، والكثير من الأمل كي تبقى للأجيال المُقبلة شاهدة على نهضة مُتكررة لمدينة أتعبتها الأزمات والكوارث، لكنها بقيت أبيّة وعصيّة على الانهزام، ومُحافظة بل وحامية للعروبة والاعتدال.
أُسَرُ العاصمة وأنسابُها ستحفظ مع مُرور الزمن، الدور المُتأصل للدكتور الحلاق في الحفاظ على نقاء أعراقها وأصالتها، من دون مُخالطة أو تلويث، فدوّن الأصول، وأرّخ للجذور، وفرّق بين المُستجد والطارئ والمُستوطن في بيروت، وبين أهلها الأقحاح والأصليين، فكان جهداً مشكوراً ودوراً محموداً.

لم يقف دور الدكتور حسان عند تأريخ أصالة بيروت وأهلها، بل تنوّعت كتاباته وتدويناته التي حَمَتْ التاريخ العربي والإسلامي عموماً، من التشويه والتغيير، أو أن يصبح مجرّد وجهة نظر يكتبها مَنْ يسعون إلى تسطير التاريخ وتأطيره وفقاً لأهوائهم ومشيئاتهم.
الطفل المولود في منطقة الطريق الجديدة ببيروت، قبل نكبة فلسطين بعامين، وعى باكراً قضية أهلها والتصق بها، ودافع عنها في شتى المجالات، وحتى في رحيله كان تزامناً مع إحياء نكبتها الـ75، والذي تم للمرة الأولى في الجمعية العامة للأُمم المُتحدة في نيويورك.

انكب على الدراسة وتحصيل العلم، فنال دبلومٌ في الدراسات الإسلامية، ثم ماجستير في التاريخ عام 1977، فشهادة الدكتوراه من جامعة الإسكندرية عام 1981، وأصبح عضواً في اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وفي عام 2007 حاز جائزة جامعة الإسكندرية التقديرية.
له دور بارز في العمل الاجتماعي والتربوي، من خلال جمعية ووقف البر والإحسان، جامعة بيروت العربية وكلية الإمام الأوزاعي، سواءً في التأسيس أو الإدارة أو التعليم.

ترك إرثاً كبيراً من المُؤلفات، تجاوزت الـ50، في مواضيع تاريخية وإسلامية، تُرجم العديد منها إلى اللغتين الألمانية والإنكليزية، أشهرها: دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش (1908-1909)، تعريب النقود والدواوين في العصر الأموي، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر (1913-1952)، بيروت المحروسة في العهد العثماني، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1978... وسواها الكثير.

رحم الله الدكتور حسان الحلاق، وأسكنه فسيح جنانه، بجوار الأخيار والصالحين، وهو الذي ترك إرثاً سيبقى خالداً للتاريخ، وعائلة و5 أبناء، نتوجه إليهم بأسمى آيات التعزية والمُواساة، وإلى كل مُحبيه ومُتابعيه، وطلابه...

المصدر : اللواء