عام >عام
لماذا لم تُرحِّب الفصائل الفلسطينية بتوقيف ياسين؟
لماذا لم تُرحِّب الفصائل الفلسطينية بتوقيف ياسين؟ ‎الخميس 5 01 2017 10:46
لماذا لم تُرحِّب الفصائل الفلسطينية بتوقيف ياسين؟


عقبَ جولةَ العنف الأخيرة في مخيّم عين الحلوة قتلٌ لعددٍ من القاطنين فيه. ووصَف مسؤولو المخيّم هذه الجرائم بأنّها أحداث عَرَضيّة، ولا تحمل أبعاداً أمنية أو سياسية. فيما رأت مصادر أمنية أنّها ترمي إلى الإبقاء على سخونة الوضع الأمني فيه، بصفتها إشارات جديدة إلى أنّه لا يزال خارج أيّ معالجات جدّية لضبط أمنه، ومنعِ قوى تكفيرية من تفجيره واستغلاله، إذ يُشاع بكثرة في هذه المرحلة أنّها تُخطّط لتنفيذ عملٍ كبير فيه، وانطلاقاً منه إلى جواره اللبناني.
رغم أنّ فصائل المخيّم وسفارة فلسطين في بيروت، تحاول منذ توقيف عماد ياسين الإقلال من شأن ما يَحدث فيه، وتَعتبر أنّ هناك تضخيماً إعلامياً يَقرب الوصول إلى حدّ التحريض عليه، إلّا أنّ المستوى السياسي في لبنان، يَلفت بالاستناد الى معلومات لديه، إلى تطورات مستجدة عدة يَشهدها المخيم في الفترة الاخيرة، وكلّها تدعو الى القلق، وتَرسم علامة استفهام حول إمكانية وجود خطة ما تَحوكها قوى تكفيرية لأخذِ المخيم الى معادلة جديدة تُهدّد أمنَه وأمن محيطه اللبناني.
وأبرزُ هذه التطورات التي يؤشّر إليها المستوى السياسي اللبناني، تتّصل بتحليل وقائع أمنية وسياسية تمّ التكتّم عليها، على رغم أنّها حدثت في الآونة الاخيرة داخل المخيّم، وهي بمجملها تقود إلى الاستنتاج أنّ هناك تحوّلات سياسية وأمنية طارئة داخله، قد تؤشّر إلى حصول تبدّلات في توازناته الأمنية التي على هشاشتها كانت تُعتبر ضمانات الحدّ الأدنى لعدم حصول انفجار بين فصائله الوطنية والإسلامية تفيد منها قواه التكفيرية.
وتتوقف هذه المصادر عند معطيَين أسياسيَّين حصَلا في المخيّم إثر توقيفِ مخابرات الجيش اللبناني عماد ياسين الذي صُنّف رسمياً في لبنان، على أنه أمير «داعش» في عين الحلوة.
المعطى الأول تَمثّل في أنّ الشخص الذي اتّهمته الجماعة التكفيرية في المخيّم بأنه هو مَن ساعد الأمن اللبناني على اعتقال ياسين، تمّ قتلُه داخل المخيّم بعد تعذيبه على يد عناصر تنتمي إلى المجموعات التكفيرية المتمركزة في حيَّي «الطوارئ» و«التعمير».
واللافت أنّ هذا الحدث لم يستببع أيّ ردود فِعل لهيئات المخيّم المولجة الأمن فيه والمشكّلة من مختلف فصائله، وكأنّ قتلَ المشتبَه به بإرشاد القوّة الأمنية اللبنانية إلى ياسين، تمّ تحت سقف تبرّؤ كلّ الفصائل من الدفاع عنه.
المعطى الثاني، وهو الأخطر، وهو يفسّر السبب الأعمق والأخطر لموقف الفصائل الصامت إزاء قتلِ «المشبته بأنّه وشى بياسين»، تمثّلَ في أنّ توقيف السلطات اللبنانية لياسين، واجهَته كلّ فصائل المخيّم، سواء الوطنية منها أو الإسلامية، بنوع من الإدانة، وليس فقط بعدم الترحيب بها.
لقد اتّفقَت كلّ فصائل المخيّم ومجموعاته، على رغم اختلاف مشاربها والنزاعات بينها، على أنّ توقيف ياسين هو أمر غير صائب، وحاولت تبرير ذلك بالتأكيد أنّ ياسين لم يكن أميراً لـ«داعش» في المخيّم، وأنّه منذ سنوات لم يقُم بأيّ نشاطات ذات وزن وتشي بأنّها تقدّم خدمات مهمّة لبيئة المجموعات التكفيرية في عين الحلوة.
وعلى رغم اعترافها بماضيه كمؤسس لـ«فتح الإسلام» الإرهابية وأحد أبرز رموزها المرتكبين للأعمال الإرهابية، فإنّها تَعتبر أنّه انقطع عن أيّ نشاطات، وبات لا يملك أيّ وزن داخل المجموعات الإرهابية التكفيرية العاملة حالياً في المخيّم.
وما بات الآن واضحاً، هو أنّ إجماع كلّ طيف فصائل المخيم بمختلف مشاربه على توقيف ياسين، لا يعود لسبب أنه ليس أمير «داعش»، أو لأنه ذو قيمة أمنية منتهية فعاليتُها، بل لأنّ هذه الفصائل تعتبر ضمناً أنّ إقدام الدولة اللبنانية، على تنفيذ عملية أمنية بواسطة أجهزتها الأمنية لاعتقال ياسين داخل المخيم، تشكّل خرقاً لقواعد اللعبة أو «قواعد الاشتباك» التي لها منزلة «العرف» السائد في عين الحلوة بين الدولة من جهة والفصائل الفلسطينية المولجة إدارته على غير مستوى من جهة ثانية.
ويلاحظ في هذا السياق، أنّه منذ توقيف ياسين، ساد فتور في العلاقة بين أجهزة الأمن اللبنانية وبين «عُصبة الأنصار»، فخفّفت الأخيرة من مستوى تنسيقها عبر القنوات المعتادة بينها وبين السلطات اللبنانية الأمنية المعنية بملفّ عين الحلوة.
ولم تخفِ مصادر العُصبة لدى مراجعتها لتفسير سبب تصرّفِها المستجد، أنّ موقفها ناتجٌ من أنها غير راضية عن توقيف ياسين، وذلك انطلاقاً من أنّ الدولة اللبنانية لم تَقف على رأيها قبل إقدامها على هذه الخطوة، إضافةً إلى أنّها لم تنسّق معها أمنياً.
وفيما لو تمّت قراءة موقف العصبة وكلّ الفصائل الفلسطينية الأخرى من توقيف ياسين، بلغةٍ سياسية، وأبعَد من أمنيّة، لَظهَر واضحاً أنّ هذا الاعتراض له بُعدٌ «سيادي» من منظور فصائل المخيم، ومفاده رفضُها إقدامَ الدولة على توقيف ياسين مباشرةً (بواسطة جنود لبنانيين) داخل المخيم، وبلا تنسيق مسبق مع القوى الفلسطينية المولجة الأمن بداخله، لأنّ ذلك من منظارها يُعتبَر خرقاً من الدولة اللبنانية لـ«قواعد التفاهم» و«قواعد إدارة اللعبة والاشتباك» فيه، بينها وبين القوى الفلسطينية المسؤولة عن إدارته.

المصدر : الجمهورية