لبنانيات >أخبار لبنانية
الحرب في جنوب لبنان: البطالة تتفاقم والمهن الحرفية على وشك الانهيار
الحرب في جنوب لبنان: البطالة تتفاقم والمهن الحرفية على وشك الانهيار ‎السبت 17 08 2024 17:07
الحرب في جنوب لبنان: البطالة تتفاقم والمهن الحرفية على وشك الانهيار

جنوبيات

 

تتوالى الأزمات على اللبنانيين في ظل استمرار الحرب في جنوب لبنان، حيث تضاف إلى المآسي الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية مأساة جديدة تطال عدداً كبيراً من أصحاب المهن اليدوية والحرفية والمهن الحرة والتقليدية، التي تشكل جزءاً من اقتصاد هذه القرى. غالبية هؤلاء فقدوا القدرة على الاستمرار في العمل، وباتوا بحكم العاطلين عن العمل.

يعيش الكثير من أبناء جنوب لبنان على حرف بسيطة، مثل الزراعة، صناعة الأغذية الأساسية كالخبز والمعجنات، بيع المؤونة القروية، إضافة إلى التجارة بمفهومها الضيق المرتبط ببيع السكاكر والسلع الأساسية. هؤلاء العمال أصبحوا اليوم في عداد العاطلين عن العمل، وزادت معاناتهم مع موجات النزوح التي بلغت حوالي 100 ألف نازح جنوبي. يسعى البعض إلى تدبير شؤونهم من خلال بيع المدخرات، كالمجوهرات والمقتنيات الثمينة، لتأمين إيجار المسكن والحصول على مواد غذائية، بينما ينتظر آخرون مساعدات من مؤسسات الرعاية الاجتماعية. في المحصلة، تعصف أزمة إنسانية واقتصادية بفئة جديدة من اللبنانيين.

الفقر بأوجه مختلفة
منذ 6 أشهر، نزح هاشم الغول مع عائلته من بلدة عيتا الشعب الحدودية إلى مدينة صور مع اشتداد القصف الإسرائيلي. لم يكن يتوقع أن تطول فترة النزوح وأن يصبح عاجزاً تماماً عن تسديد النفقات اليومية لعائلته. يقول الغول لـ"المدن": "اضطررت لترك المنزل بعدما أصابت غارة منزل شقيقي في الطابق العلوي".
كان الغول يعمل في مجال الزراعة ولديه جرار يستخدمه للتنقل بين قرى الجنوب لزراعة وحراثة الأراضي الزراعية، ما كان يؤمن دخلاً جيداً نسبياً لإعالة العائلة. اليوم، لا يملك ثمن الخبز لعائلته ويعيش على مساعدات تقدمها بعض مؤسسات الرعاية، والتي تتضمن تأمين وجبات غذائية يومية.

بحسب الغول، تحتاج عائلته إلى مصاريف يومية لا تقتصر على الطعام والشراب، بل تشمل الأدوية والمستلزمات الصحية وغيرها. يسعى من خلال الاستدانة من الأصدقاء لتأمين بعض هذه الاحتياجات.
المشكلة بالنسبة للغول لا تتعلق بالوضع الراهن فقط، بل تتعدى ذلك إلى الشعور بالإحباط من طول أمد الحرب وتأثيرها على القطاع الزراعي في جنوب لبنان. إذ يخشى أن لا يتمكن من العودة إلى مهنته حتى بعد انتهاء الحرب بسبب الحرائق والأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية.

وفق وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، فقد احترق حوالي 2400 دونماً من الأراضي الزراعية بشكل كامل و6500 دونماً جزئياً، إلى جانب استخدام إسرائيل مواد مشعة كالفوسفور، مما يترك آثاراً طويلة الأمد على التربة والمزروعات.

أعمال مهدّدة
الغول ليس حالة فريدة، فقصص الجنوبيين وتجاربهم مع الحرب متعددة. حسين أيوب من منطقة يارون الحدودية أصيب بشظايا ضربة استهدفت قريته، وهو ينتظر إجراء عملية جراحية ثالثة في ساقه. يقول أيوب لـ"المدن": "منذ أشهر توقفت عن العمل واستخدمت جميع مدخراتي لتأمين مسكن آمن لعائلتي. اليوم، أصبحت شبه عاجز عن تأمين النفقات الأساسية بسبب الإصابة".
كان أيوب يعمل كسائق على حافلة خاصة يتنقل بين القرى الجنوبية، وكانت الأمور جيدة بالنسبة له ولعائلته، لكن بعد الإصابة تبدلت الظروف وباتت العائلة تعيش في فقر شديد.

لا توجد إحصاءات رسمية تحدد حجم البطالة في جنوب لبنان، إلا أن تقريراً لمنظمة العمل الدولية بعنوان "التشغيل والآفاق الاجتماعية في الدول العربية – اتجاهات 2024" أشار إلى ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً في المناطق النائية. ووصف التقرير البطالة في لبنان بأنها بطالة طويلة الأمد مرتبطة بانكماش اقتصادي هائل وتقلص القطاعات وإغلاق الشركات والمؤسسات، مما يصعّب إعادة فتحها. وفق التقرير، 48.9% من العاطلين عن العمل في لبنان يندرجون تحت خانة "البطالة الطويلة الأمد".

البطالة بين النساء
تعاني النساء أيضاً من هذه الأوضاع الصعبة. أم علي، التي تعمل في مجال صناعة المؤونة المنزلية، لم تتمكن هذا العام من صناعة أي منتج وبيعه بسبب نقص المنتجات الزراعية والحيوانية. تعيل أم علي عائلة من 5 أفراد، وورثت هذه المهنة عن أهلها، لكن الأوضاع في جنوب لبنان لم تساعدها على الحصول على المواد الأساسية لتصنيعها وبيعها.

نزحت أم علي من منطقة الخيام مع عائلتها وتسكن اليوم في أحد مراكز الإيواء. تقول لـ"المدن": "كنت أبيع السلع الأساسية مثل المربيات والزعتر والكشك، لكن منذ أشهر اضطررت لترك المنزل وفقدت القدرة على العمل". تشكو أم علي من غياب أي مصدر دخل لأسرتها، واضطرت للاعتماد على المساعدات التي باتت مرهقة ومتعبة، مع مخاوف من استمرار هذا الوضع لفترة طويلة.

وكحال أم علي، اضطرت فاطمة السيد من منطقة علما الشعب للنزوح وترك منزلها ودكانها في وسط القرية. تقول السيد لـ"المدن": "نزحت مع عائلتي والكثير من السكان، خصوصاً بعد أن سويت العديد من الأحياء بالأرض. اليوم، لا أملك أي مصدر للدخل وأعيش مع عائلتي عند أقاربنا، لكنني عاجزة تماماً عن المساعدة في تأمين النفقات الأساسية".

تركز السيد على أنها لم تكن ترغب في مغادرة القرية، لكن حركة البيع توقفت تماماً، رغم بقاء عدد قليل من العائلات التي رفضت ترك منازلها. إلا أن البقاء لم يعد مجدياً، إذ فقدت القدرة على تأمين بضائع جديدة، أو حتى بيع البضائع المتوفرة، فضلاً عن انقطاع الكهرباء ونقص مادة المازوت، مما تسبب في خسارة جزء من البضائع المثلجة.

كانت مناطق جنوب لبنان قادرة في السابق على مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي بدأت في 2019، عبر تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة، لكن اليوم يبدو المستقبل قاتماً في ظل الغارات الإسرائيلية المتواصلة والخوف من اندلاع حرب أكثر شراسة.

المصدر : المدن