عربيات ودوليات >أخبار دولية
الشرق الأوسط وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
الجمعة 8 11 2024 22:25جنوبيات
إذا كان هناك زعيم واحد انتظر بفارغ الصبر كي يتمكّن من تهنئة دونالد ترامب على إعادة انتخابه فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الرغم من أن علاقتهما ساءت بعض الشيء في نهاية الولاية الأولى للرئيس السابق، الذي استاء من مسارعة رئيس حكومة الدولة العبرية إلى تهنئة خصمه جو بايدن خلال هزيمته عام 2020، معتبراً أنها خيانة. وهذه المرة، سارع بنيامين نتنياهو إلى الإشادة بـ"أعظم عودة في التاريخ"، حتى قبل ظهور النتائج الكاملة والرسمية لانتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
إحدى القضايا الرئيسية التي سيتعيّن على إدارة ترامب المستقبلية مواجهتها هي الحرب في غزة، التي خلّفت أكثر من 43 ألف قتيل. فبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، طلب دونالد ترامب من بنيامين نتنياهو، خلال رحلته إلى الولايات المتحدة في يوليو/تموز، وضع حدّ للأعمال العدائية "قبل أن يعود إلى البيت الأبيض" في يناير/كانون الثاني 2025، ما يحدد الخطوط العريضة، ضمنياً، لشكل من أشكال الشيك على بياض يُمنح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، على الأقل للشهرين المقبلين.
ودعا المرشح الجمهوري، علناً، الدولةَ العبرية إلى "إنهاء المشكلة" في القطاع الفلسطيني الذي دمّره الجيش الإسرائيلي […]. وعندما سُئل، خلال المناظرة الرئاسية الأولى، عمّا إذا كان سيدعم إنشاء دولة فلسطينية، أجاب دونالد ترامب: "عليّ أن أرى".
رفض الفلسطينيون خارطة الطريق لحل الدولتين التي قدّمها دونالد ترامب، في عام 2020، لأنها منحتهم دولة دمية، مقسّمة على المستوطنات اليهودية، والتي كان من الممكن تقنين معظمها. خلال فترة ولايته الأولى، وبعد انفتاح قصير على الفلسطينيين -بعد لقائه مع الرئيس محمود عباس في عام 2017- كانت سياسات الملياردير الجمهوري مؤيدة لإسرائيل بشكل فاضح. فقد نقلت إدارته السفارة الأميركية إلى القدس، وأغلقت مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن، واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، وأعلنت أنها لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية. كما أعلن دونالد ترامب أيضًا أنه سيحمي إسرائيل من أي محاولة تحقيق من قبل "المحكمة الجنائية الدولية"، وأنهى التمويل الأميركي للأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين.
لكن عودته إلى رئاسة الولايات المتحدة لا تنظر إليها الأنظمة العربية بشكل سلبي، تقول "لوموند"، موضحةً أن هذه الأنظمة تشعر بالغضب الشديد بسبب فشل إدارة بايدن في فرض الحل الدبلوماسي في غزة، ومنع امتداد الصراع في المنطقة، وخاصة إلى لبنان. ونقلت الصحيفة الفرنسية عن حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف (سويسرا)، قوله: "بالنظر إلى العواصم العربية الكبرى، وخاصة دول الخليج، فإن فوز ترامب يعدّ بمثابة ارتياح كبير […] كان ترامب هو المفضّل لديهم، وقد فعلوا كل شيء من أجل فوزه". وعلى الرغم من شخصية المرشح الجمهوري، التي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان، والتغيرات التي شهدتها المنطقة منذ خروجه من البيت الأبيض عام 2020، يتوقع خبراء الشرق الأوسط أن تكون الولاية الثانية لدونالد ترامب استمراراً للولاية الأولى.
من المرجح أن يعيد ترامب إرساء سياسة الانعزالية البراغماتية، أي تأمين الشرق الأوسط بهدف الانسحاب الأميركي من المنطقة. ويشمل ذلك ضمان التعاون الإقليمي مع إسرائيل من خلال اتفاقيات أبراهام، ودعم الحكم الذاتي العسكري للدولة اليهودية، ومعارضة البرنامج النووي الإيراني، وإعادة توجيه الاهتمام الأميركي نحو التعاون الاقتصادي مع المنطقة، كما تنقل "لوموند" عن محلل متخصص في شؤون الخليج.
سيتعين على دونالد ترامب إعطاء الأولوية لتعزيز التحالفات الأمنية التي تهدف إلى احتواء إيران، مذكّرةً بأنه كان مهندس ما يسمى باتفاقيات أبراهام، التي شهدت تطبيع إسرائيل علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان اعتباراً من عام 2020. وينبغي على ترامب أن يسعى إلى توسيع نطاق هذه الاتفاقات، خاصة إلى المملكة العربية السعودية، وهو أمر فشلت فيه إدارة جو بايدن بسبب الحرب في غزة.
الضغط على إيران
دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر أقاما علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي هنّأ الرئيس الجمهوري المنتخب بفوزه، معتبرةً أن تعزيز العلاقة مع السعودية ستكون أولوية لإدارة ترامب الجديدة، من أجل مواجهة نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط والتأثير على سياسة الطاقة في المملكة.
من المتوقع أن يتّبع دونالد ترامب سياسة الضغط الأقصى ضد إيران، المنخرطة في تصعيد خطير مع الدولة العبرية. ويعتقد أشد الصقور أن فترة مواتية بدأت تلوح في الأفق، وهي فترة مثالية لتوجيه ضربة حاسمة للنظام الإيراني.
ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى حرص ترامب على تقليل التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، فمن المرجح أنه سيدفع إسرائيل إلى عدم الدخول في حرب شاملة مع إيران.
كما أن الشركاءَ الإقليميين الرئيسيين، الذين أقام معهم دونالد ترامب علاقات جيدة؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، متردّدون أيضًا في الانخراط في تدخل عسكري ضد طهران، الأمر الذي قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة، الرياض وأبوظبي بدأتا سياسة انفراج مع طهران، مع الإشارة إلى أن دونالد ترامب لم يكن مستعداً لخوض حرب ضد إيران ردّاً على تفجيرات سبتمبر/أيلول 2019 في منشآت شركة النفط السعودية أرامكو في شرق البلاد.
ومع ذلك يتعيّن على الرئيس الأميركي المنتخب على الأقل أن يكثّف الضغط الدبلوماسي على إيران، وخاصة من خلال استخدام العقوبات.
وفي طهران، توقظ عودته إلى البيت الأبيض المخاوف من أن تصبح البلاد مرة أخرى هدفاً لـ"سياسة الضغط الأقصى" التي طبّقها دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى، في أعقاب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
لكن لم يكن لهذه السياسة، المستندة إلى العقوبات المشدّدة، أي تأثير على البرنامج النووي الإيراني ولم توقف توسّع طهران الإقليمي، لكنها أدّت إلى جفاف الاستثمارات الأجنبية في البلاد وانخفاض صادرات النفط الإيرانية. كما أدت إلى اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار في بغداد، في يناير/كانون الثاني 2020. وحتى قبل الإعلان الرسمي عن فوز دونالد ترامب، انخفضت العملة الإيرانية إلى مستوى تاريخي منخفض، صباح الأربعاء.
خلال الحملة الانتخابية، أعلن دونالد ترامب أنه سيكون من الضروري "عقد صفقة" مع إيران، دون أن يحدّد كيف ستختلف هذه الصفقة عن تلك التي تخلّى عنها.
ومن بين مجالات عدم اليقين التصعيد المحتمل بما يتجاوز الحدود التي حدّدتها إدارة بايدن. فبعد أيام قليلة من الهجوم الذي نفّذته إيران ضد إسرائيل، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، باستخدام 181 صاروخاً باليستياً، نَصَحَ دونالد ترامب الدولة العبرية بـ"الضرب النووي أولاً، والقلق بشأن الباقي في وقت لاحق".