مقالات مختارة >مقالات مختارة
أزمةُ انهيارِ الليرة اللبنانية: الأسبابُ والنتائجُ و…الحلول
الخميس 18 03 2021 08:34د. مروان القطب
إنهارت قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي حتى بلغ سعر صرف الدولار الواحد حدود ال١٥ ألف ليرة لبنانية، في أزمة حادّة غير مسبوقة. فما هي أسباب هذا الإنهيار السريع؟ وهل فرص الخروج من الأزمة ما زالت مُمكنة؟ وما هي الحلول المطروحة؟
أوّلاً: أسباب انهيار قيمة الليرة اللبنانية.
سنتناول في البداية اسباب هذا الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية، والتي يُمكن تلخيصها بالتالي:
١- الأزمة السياسية المُحتدِمة: إن تعثّرَ تشكيل الحكومة منذ أكثر من ثمانية أشهر، يُدخِلُ البلاد في أجواءٍ ضبابية، لأن الحكومة هي السلطة الإجرائية التي تضع الحلول للأزمات الاقتصادية، وصندوق النقد الدولي يرفض اي تفاوض معه إلّا بعد تشكيل الحكومة، ويُشكّل هذا الصندوق الأمل الوحيد بتأمين قروضٍ قد تؤدّي إلى تدفّق الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني، ما يعني انسداد أُفق الحلول، وهذا الأمر يُساهم بتهافتِ المواطنين والتجّار على تبديل ما تبقى لديهم من مبالغ بالليرة اللبنانية وزيادة الطلب على الدولار الأميركي. كما لا يُمكن ان نعفي بعض التصريحات التي تطلق من بعض المسؤولين والتي تزيد من الشعور لدى المواطنين بأن الأوضاع دخلت في مرحلة الانهيار الشامل، وهذه التصريحات تُعقّد الأمور ولا تُساعد على التعافي من الأزمة.
٢- التعامل البوليسي مع السوق الموازية: هناك اعتقادٌ لدى بعض المسؤولين أن السوق المُوازية هي سوقٌ غير مشروعة. مما لا شك فيه أن هذه السوق لا تخضع للرقابة الشاملة لمصرف لبنان، إلّا أنها سوقٌ الضرورة، ويجري فيها تداول خمسة مليارات دولار بصورة سنوية، ومن خلالها يُؤمّن التجار حاجاتهم من الدولار للاستيراد، ومن دونها قسمٌ كبير من حاجات الناس لا تُؤمَّن. وعندما دعم مصرف لبنان السلع الأساسية من محروقات وقمح وأدوية، كان الدعم في حدود ٨٥%، وبالتالي ١٥% المُتبقيِّة يجري تأمينها من السوق الموازية. وبمجرد أن أعلن مصرف لبنان نسبةً للدعم فإنه أقرّ بمشروعية هذه السوق، أضف إلى ذلك أن السلعة الغذائية المدعومة في حدود ٢٠٠ سلعة، وهذه ليست كل السلع التي يحتاج اليها المواطن، ما يعني أن باقي السلع يجري تأمين دولاراتها من السوق الموازية. إنها سوق ضرورية للاقتصاد في الوقت الراهن، ويقتضي عدم الخلط بين وجود هذه السوق وبين المضاربة التي تجري فيها. إن قيام السلطات باعتقال بعض الصرّافين وإغلاق المنصات، جعل التعامل بالدولار وكأنه عملٌ إجرامي، وبالتالي اختفى الدولار من السوق واصبح عملة نادرة.
٣- تراجع قدرة مصرف لبنان على الدعم :لقد دعم مصرف لبنان الاقتصاد اللبناني من خلال تأمين الدولارات لشراء المحروقات والقمح والأدوية والسلع الغذائية والمُستلزمات الطبية، حيث تكبّد شهرياً في حدود ٦٠٠ مليون دولار. مما أدّى الى استنفاد احتياطاته بالنقد الاجنبي الذي لم يعد يبقى منها إلّا مبلغ مليار ونصف المليار قابلاً للاستعمال، وبدأ مصرف لبنان يقلص من السلع الغذائية المدعومة من ٢٠٠ سلعة الى أقل من ١٠٠ سلعة، وعمد الى تعقيد إجراءات الدعم والتأخير فيها، ما زاد الطلب على الدولار الأميركي، وشكّل نوعاً من رفعِ الدعم بصورة جزئية وبطريقة واقعية.
٤– المُضاربة السياسية: إن ارتفاعَ سعر صرف الدولار الأميركي بصورةٍ مُفاجئة وبسرعة كبيرة، مما تعجز عن تقسيره آليات التحليل الاقتصادي البحتة، ويفتح المجال الى التساؤل عن إمكانية وجود مُضاربة في السوق الموازية لتحقيق أهدافٍ سياسية من هنا وهناك، وهذا الأمر من الوجهة الاقتصادية مُمكنٌ خصوصاً في ظل سوق محدودة لا يتجاوز التداول فيها العشرين مليون دولار يومياً على ابعد تقدير، فأيّ جهة سياسية تملك السيولة النقدية بالدولار الأميركي، تستطيع ان تُضارب في السوق، خصوصاً إذا كانت تملك شبكة مُنظَّمة تستطيع ان تمسك بمفاصل السوق. وهذه المُضاربة حُكماً تُساهم في ارتفاع سعر صرف الدولار.
٥– طباعة النقد اللبناني: يعمد مصرف لبنان إلى طباعة النقد بالليرة اللبنانية، وبلغت في سنة واحدة حدود ٢٠ الف مليار ليرة، وذلك لتأمين حاجات القطاع العام. كما يضخّ منها الى القطاع المصرفي، على اعتبار ان المصارف تستثمر في سندات الخزينة، ويقتضي ردّها مع الفوائد عند استحقاقها. ويؤدي طباعة النقد الى تدني قيمة الليرة اللبنانية.
٦– تعميم مصرف لبنان رقم ١٥٤: لقد فرض هذا التعميم على المصارف اللبنانية، زيادة رأسمال المصارف بمعدل ٢٠%، وتكوين سيولة نقدية لدى البنوك المُراسِلة بالنقد الأجنبي بمعدل ٣% من ودائع المصارف بالعملة الأجنبية. هذا التعميم ساهم بقيام بعض المصارف بطلب الدولار من السوق المُوازية لتأمين هذه المتطلبات مما زاد من امتصاص قسم من السيولة النقدية بالدولار الأميركي وسارع في فقدانه من الأسواق.
إن بقاء الأوضاع على ما هي عليه يُنذر بتفاقم الأزمة، خصوصاً أن رفعَ الدعم الشامل لم يتم بعد، فإذا زاد حجم الطلب في السوق الموازية بما يعادل الدعم الحالي أي في حدود ٧ مليارات دولار سنوياً، وهذا الرقم يتجاوز حجم التداول السنوي في هذه السوق، سيؤدي الى تحليق الدولار الى مستويات قياسية لا أُفق لها، ولا يُمكن تقدير مداها. والأزمة لن تقتصر في حينه على ارتفاع الأسعار، بل ستمتد لتصل الى العجز عن تأمين الدولارات لشراء السلع من الخارج، وينتج عنه فقدان السلع الأساسية من الأسواق اللبنانية، التي تُشبع حاجات المواطنين.
ثانياً: الحلول المقترحة
رُغم كل ما يُحيط بنا فإن الأمل بالخروج من الأزمة مُتاح، واقتراحات الحلول يقتضي طرحها، عسى أن تؤدّي إلى صحوةِ ضميرٍ لدى أصحاب الشأن. ومن ضمنها:
١- تشكيل حكومة سريعة تُوحي بالثقة للخارج، وتتمكّن من التفاوض مع الجهات الخارجية لتأمين الدعم للإقتصاد الوطني.
٢- ترشيد الدعم واقتصاره على أدوية الأمراض المُزمنة والمُستعصية والقمح والمحروقات المُستخدَمة للمولّدات الكهربائية والتدفئة، واختيار السلع الأساسية جداً من السلّة الغذائية. وأن يكون رفع الدعم مُواكباً بالدعم الخارجي للإقتصاد وللأسر الفقيرة والمحتاجة.
٣- وقف عمليات التهريب عبر المنافذ الحدودية المختلفة، فهذه السلع هي مستوردة من قبل الأسواق اللبنانية، وبالاستناد الى طلب على الدولار الاميركي في السوق اللبنانية، كما أن تهريب السلع المدعومة يؤدي الى هدر هذا الدعم.
٤- تنظيم السوق الموازية من قبل مصرف لبنان والتخلّص من التعاطي البوليسي معها، والبحث عن مواطن المُضاربة والحدّ منها. كما إن التوافق السياسي الداخلي يُشكّل عاملاً أساسياً للحدّ من عمليات المُضاربة لتحقيق أهدافٍ سياسية.
٥- تفعيل الرقابة على المصارف ومنعها من المشاركة في عمليات السوق الموازية لجني الأرباح أو تأمين السيولة النقدية.
٦- الحدّ من طباعة النقد بالليرة اللبنانية لغايات تأمين حاجات القطاع العام، والعمل على ترشيد الإنفاق العام الى حدوده القصوى.
٧- يقتضي العمل على استعادة المبالغ المُحوَّلة الى الخارج بعد أزمة ١٧ تشرين الاول/أكتوبر ٢٠١٩، لأن هذا التحويل قد أضرّ بالاقتصاد، وكما إنه ينطوي على شُبهات يقتضي التحقيق فيها من قبل هيئة التحقيق الخاصة.
٨- تنفيذ التدقيق الجنائي على مصرف لبنان والوزارات والمؤسسات العامة، لأنه يُحصّن القطاع العام ويؤدي الى لجم الفساد المالي والإداري.