عام >عام
«نتفليكس»: هل تهدّد قِيَم المجتمع أم تُعزّز التنوّع؟
السبت 19 02 2022 12:25جنوبيات
«لم أعد شغوفة بالتلفزيون، لذلك أتجه حاليا للتطبيقات». هكذا تقول إحدى مشاهدات «نتفليكس» لدى سؤالها عما تشاهده، بينما تقول أخرى: «أنا ضد نتفليكس وتلك التطبيقات، فهي ضد قواعد مجتمعي».
تتصاعد وتيرة هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما مع توالي الإنتاجات العربية الأصلية لشبكة البث التلفزيوني حسب الطلب، نتفليكس، وآخرها فيلم «أصحاب ولا أعز».
ولا يقتصر الجدل حول القيمة الفنية لهذه الأفلام والمسلسلات، لكنه يمتد ويحتدّ أحيانًا عندما يصل إلى الهوية الاجتماعية والسياسية، حين يتهم البعض شبكات مثل «نتفليكس» بتعمّد تشويه قيم المجتمع العربي من خلال أعمالها، ويرى بعضهم أن هذه الأعمال تعكس واقع ما ينتمون إليه أكثر من القيم التي يدافع عنها الآخرون.
ربما تكون المسألة مسألة اختيارات لم تكن متاحة من خلال التلفزيون العادي أصبحت الآن أقرب من خلال وسيط جديد، وربما يكون الأمر تغيّرا في موازين القوى، إذ تواجه منظومات الإنتاج المحلي الآن عملاقا عالميا.
وسيط جديد
أصبح التلفزيون بشكله الحديث جزءاً من الإنترنت، من خلال نموذج خدمات البث و الاشتراك الشهري، والذي طرحته أولًا شركة «نتفليكس».
ففي أواخر التسعينات بدأ مؤسسا شركة «نتفليكس» مارك راندولف وريد هاستينجز في البحث عن كيفية تعظيم ربح تأجير الأفلام والمسلسلات وتوصيلها للمنازل. ولأن شرائط الفيديو كبيرة الحجم وسهلة التلف، بدأت الشركة تأجير أقراص الـ«دي في دي»، مما أحدث ثورة في مجال تأجير الأفلام لتصبح نتفليكس الشركة الأكبر في المجال مع بداية الألفية الحالية.
وأصبحت الشركة متحفزة للقفزة القادمة، ففي ٢٠٠٦، أعلنت نتفليكس عن جائزة قدرها مليون دولار لمن يقترح خوارزمية ترشح الأعمال الدرامية بناءً على ذوق المشاهدين وتتوقع اختياراتهم، وبعدها بسنة، ومع زيادة سرعة الإنترنت في الولايات المتحدة، أتاحت الشركة أول مجموعة من أفلامها للبث عبر الإنترنت. والآن لم تعد نتفليكس مجرد شركة لبث الأفلام والمسلسلات بل يتزايد إنتاجها من الأفلام والمسلسلات لتنافس شركات الإنتاج الأميركية الكبرى مثل ديزني ووارنر بروس.
وتملك نتفليكس سلاحا لا تملكه الشركات الأخرى وهو خوارزمية متطورة تم تغذيتها لأكثر من ١٠ سنوات بالسلوك الاستهلاكي وأذواق ملايين المشاهدين حول العالم.
التلفزيون «الشخصي» وسيطرة «نتفليكس»
«أصبح الكل الآن مشغولا بهاتفه الجوال». هكذا يقول أحد المشاركين في استطلاع الرأي في مقارنة بين التلفزيون وخدمات البث.
بيّنت دراسة نشرت بجامعة لندن، أن بعض مستخدمي «نتفليكس» الذين عاشوا في المنزل نفسه كانت لديهم صفحة رئيسية لـ«نتفليكس» مختلفة تماماً عن شركائهم بالسكن. إذ اختلفت كل صفحة رئيسية بناءً على تفضيلات وهوية كل مستخدم. فالمستخدم الأسود رشحت له الخوازميات أعمال لشخصيات سوداء، والمرأة امتلأت صفحتها الرئيسية بأفلام تحتوي على شخصيات نسائية قوية. بينما صرّح أكثر من نصف المشاركين في الدراسة أنهم، في أغلب الأوقات، يشاهدون «نتفليكس» على جوالاتهم الشخصية.
فعلى عكس التلفزيون الذي جمع العائلات في غرف المعيشة، تدفع خدمات البث وعلى رأسها «نتفليكس» مشاهدة الأفلام والمسلسلات إلى «الفردانية». ولذلك تعتمد هذه المنصات بشكل كبير على خوارزميات الترشيح والتوقّع، فمزيد من الأذواق والاختيارات، يعني مزيدا من الاشتراكات والأرباح.
وحتى الآن لا تملك أي شركة أخرى خوارزمية مماثلة لـ«نتفليكس» مما قد يفسح لها المجال للسيطرة على الإنتاج الدرامي.
قد يكون من يرى أن هناك هيمنة ثقافية غربية على الأعمال العربية التي تنتجها «نتفليكس» محقاً، وكذلك من يرى ملاذا في الأعمال التي تخرج عن سيطرة الرقابة المجتمعية وتعبر عنه كأقلية مجتمعية. ولكن لا شك في أن التلفزيون كما عرفناه قد تطوّر بشكل محوري في الطبيعة والمحتوى.