بأقلامهم >بأقلامهم
الرئيس برّي يؤكّد تشاؤمه: لبنان لا يتحمل أسابيع من الفراغ!
جنوبيات
لا بدّ من الإضاءة السّريعة على أبرز تطوّرات الأحداث الدّوليّة والإقليميّة قبل الغوص في مستنقع الأزمات اللّبنانيّة:
دوليًّا؛ قال بوتين أوّل من أمس: «النّصر قريب جدًّا»، وقبله بساعات قال أمين عام حلف النّاتو أنّ «خسارة أوكرانيا ستؤدّي إلى عواقب وخيمة على الحلف» وكذلك صرّح جهاز الأمن القومي الأميركي.
هذه التّحذيرات جاءت بعد سقوط مدينة «سوليدار» الاستراتيجيّة في قبضة الجيش الرّوسي وتضييق الخناق على مدينة «باخموت» الأكثر أهمّيّة والّتي يعني سقوطها حسم معركة الدّونباس لصالح الرّوس.
على ضفّة المواجهة مع الصّين واستفزازها عبر تايوان برز الحديث عن عودة «السّاموراي» الياباني. الولايات المتّحدة تضغط على الحكومة هناك لتعديل المادّة التّاسعة من الدّستور الّتي كُتبت بأمر أميركيّ بعد هزيمة اليابان في الحرب العالميّة الثّانية، تريد أميركا إشغال الصّين أكثر بإيقاظ العداء القديم بين الجارين اللّدودين، والهدف الأساس جرّ «التّنين» إلى حرب شبيهة بالحرب الرّوسيّة في أوكرانيا لتبقى هي بمنأى من لهيب النّار المباشر، ولكن، من قال بأنّ روسيا والصّين ستسمحان بذلك، حديث روسيا عن الحرب النّوويّة ليس عبثيًّا، هو رسالة واضحة لساكني البيت الأبيض بأنّ النّار ستحرق الجميع!
إقليميًّا؛ مزيد من الضّغط على إيران، آخر تجليّاته ظهرت في تصويت البرلمان الأوروبّي على إدراج الحرس الثّوريّ على لوائح الإرهاب والدّعوة إلى إدراج اسم المرشد الأعلى السّيّد علي الخامنئي والرّئيس رئيسي على قوائم العقوبات.
تغريدات وزير خارجيّة قطر السّابق تشير بوضوح إلى احتمال أن يصدّر «نتنياهو» أزمته الدّاخليّة العميقة إلى الخارج عبر توجيه ضربة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة، وهذا جنون سيغيّر شكل المنطقة برمّتها ويلحق الضّرر بدول الخليج العربي كما غرّد الشّيخ حمد بن جاسم نفسه..
السّعوديّة تسعى إلى انهاء الحرب في اليمن عبر تمديد الهدنة والعمل تطويرها إلى وقف نهائيّ لإطلاق النّار، هكذا صرّح وزير خارجيّة المملكة، وقال بأنّ بلاده تسعى إلى فتح قناة تواصل مع طهران، ويرى بعض المتابعين بأنّ زيارة وزير خارجيّة إيران إلى بيروت ليست بعيدة من هذه الأجواء.
على مقلب العلاقة بين المملكة والولايات المتّحدة أشارت تقارير استخباراتيّة إلى العمل على تحضير لقاء بين وزيري خارجيّة البلدين لترتيب الملفّات الخلافيّة وتصحيح مسار التّحالف التّاريخيّ، وفي الموازاة تسعى المملكة إلى الانضمام إلى منظّمة «بريكس» المنظّمة الّتي تسعى بدورها إلى توسيع عدد أعضائها وطرح عملة موحّدة بعد زيادة مخزونات الذّهب لديها، ما يعني الانتهاء من متلازمة «البترودولار».
بعض التّقارير الغربيّة وضعت الخطوة السّعوديّة في إطار الضّغط على الأميركيين لتقديم مزيد من التّنازلات، لكنّ وزير الماليّة السّعودي «محمّد الجدعان» قال على هامش مؤتمر «دافوس» أنّ الصّين تمثّل الشّريك التّجاري الأكبر للمملكة وهناك بالفعل عمليّات تبادل تجاري باليوان الصّيني من ضمنها النّفط!
على الجبهة السّوريّة تحاول الولايات المتّحدة فرملة الانفتاح التّركي على سوريا والتّطبيع العربي مع دمشق، ورغم ذلك برزت في الأيّام الأخيرة إشارات لافتة على خطّ عودة العلاقات بين البلدين بعد زيارة لافتة، في شكلها، لرئيس إدارة المخابرات العامة في سوريا «حسام لوقا» الّذي قصد الرّياض عبر مطار بيروت وعاد إلى دمشق عبر طائرة خاصّة سعوديّة، ويضيف مطّلعون على ملف الـ «س-س» إلى تطوّر التّواصل بين البلدين وقد بدأت سوريا بالاستيراد من المملكة.
داخليًّا؛ كأنّ بعض السّاسة اللّبنانيّين خارج الزّمان والمكان، يبدون منفصلين تماماً عن الواقع وعمّا يدور حولهم، بلد غارق في الفراغ والفوضى الدّستوريّة والقانونيّة، كرسيّ الرّئاسة خالٍ، الحكومة منقوصة الصّلاحيّات وعاجزة، صفر كهرباء، الدّولار تخطّى الخمسين ألف ليرة ومعظم إدارات الدّولة مشلولة وهناك مَن يناقش دستوريّة جلسة الحكومة بجدول أعمال أكثر من ضروريّ.
قبل أشهر نمنا على حرير التّفاهم البحري واستيقظنا على وصاية فرنسيّة على غازنا، منذ سنتين وُعدنا بخطّة نهوض اقتصاديّ وحفظ حقوق المودعين واسترداد الأموال المنهوبة، اليوم قضاؤنا منتهك والأموال المهرّبة ستصادرها الدّول الأوروبيّة.
جيشنا الوطنيّ الّذي صدّ جنوده وضبّاطه باللّحم العاري اعتداء جرّافة إسرائيليّة رهين المساعدات الخارجيّة، وفي لحظة ما، في توقيت يناسب المتربّصين بلبنان، قد تتوقّف المساعدات ويذهب العسكر إلى بيوتهم ويترك النّاس على بعضهم.
على هذه البقعة الجغرافيّة المنسيّة في زحمة الأزمات الدّوليّة والإقليميّة ثمّة مَن يلوّح بالتّقسيم والفدرلة وتغيير الصّيغة بحجّة ضرب الشّراكة!
وهؤلاء أنفسهم يرفضون مشاركة الآخرين في اختيار اسم رئيس الجمهوريّة باعتباره من حصّة المسيحيين!
أكبر حزبين مسيحيين يحذّران من أزمة وجوديّة ومؤامرة على وجودهم ودورهم، لكنّهم لا يلتقيان ولا يتحاوران، فأيّ كذبة سمجة يريدوننا تصديقها؟
التّيّار يرفض «فرنجيّة» وهو من الأقوياء الأربعة الّذين اعترفت بهم بكركي كممثّلين شرعيين للوجدان المسيحيّ، والقوّات ترفض «روجيه ديب» المفضّل لدى بكركي، حسب ما يقال، لأنّه قريب من التّيّار، ثمّ يتّهمون الآخرين بالتّعطيل!
سمير جعجع يريد تطبيق الدّستور واحترام الميثاق وعدم تعطيل الجلسات، لكن إذا وصل رئيس مدعوم من حزب الله فسيغيّر الصّيغة!
جبران باسيل يدعو إلى حوار مسيحي - مسيحي للاتّفاق على اسم رئيس الجمهوريّة لكنّه يرفض حواراً وطنيًّا للغاية نفسها.
بسبب هذا الجنون الخطير اضطرّ أمين عام حزب الله السّيّد حسن نصرالله إلى الرّدّ على كلام البطريرك الماروني لتبديد هواجسه، لكنّ المطارنة الموارنة لم يلاقوه في منتصف الطّريق، وردّ بهدوء على اتّهامات التّيّار الوطنيّ الحرّ للحزب بضرب الميثاقيّة والشّراكة، لكنّه قوبل بهجمة شرسة طالته شخصيًّا من ناشطين فاعلين في التّيّار.
فإلى أين سيؤدّي تسعير الخطاب الطّائفيّ والمذهبي؟
قبل أسابيع نقل زوّار الرّئيس نبيه برّي عنه قوله: «البلد ما بيحمل أسابيع من الفراغ»، برّي عاد وأكّد كلامه أمام زوّاره أمس، وأضاف بأنّ بعض القوى لا تريد الاقتناع بأنّنا قادرون على انقاذ أنفسنا بأنفسنا، ينتظرون الخارج وهموم الخارج أكبر من لبنان ومشاكله، وجدّد قناعته بأنّ الحوار هو السّبيل الوحيد للخروج من الأزمة، فليأتوا لنتّفق على اسمين أو ثلاثة ونذهب إلى جلسة نهنّئ الفائز بها.
هناك من يهمس بأنّ الأميركيين لم يعيّنوا بديلاً عن «شيا» حتّى الآن، وهذه إشارة سلبيّة على احتمال انفلات الأمور في ظلّ غياب أميركيّ رسميّ، «شيا» الّتي «كزدرت» مع الرّئيس برّي قرابة السّاعة في عين التّينة أكّدت بقاءها في لبنان لأشهر قادمة، وهذا ينفي السّيناريو السّابق.
بالعودة إلى الأجواء المشحونة طائفيًّا تنقل أوساط قريبة من ثنائي حركة أمل وحزب الله بأنّ كيل المزايدات قد طفح، فالحزب لم يعد قادراً على هضم خطاب التّيّار الّذي كان وطنيًّا، حسب أحد القادة البارزين، وتحوّل إلى طائفيّ بل مذهبي، والرّئيس نبيه برّي ضاق ذرعاً بالمسرحيّة الهزليّة الّتي تتكرّر فصولها في المجلس النّيابي، وآخر إبداعات الفولوكلوريين الاعتصام داخل المجلس، فما الحلّ إذن؟
ثمّة حديث في الكواليس عن ضرورة إحداث خرق في جدار الأزمة، والخروج من المراوحة القاتلة.
ما قاله النّائب هادي أبو الحسن أمس لافت، بدأ بالتّأكيد على الموقف السّياسي للحزب الاشتراكيّ، ثمّ قال ولكن..
في اللّيلة نفسها زار وفد من حزب الله جنبلاط وكانت الأجواء إيجابيّة جدًّا، فهل بدأ التّحضير لانتخاب رئيس بأكثريّة 65 صوتاً في المدى المنظور؟ ربّما..
وعن ردّ الفعل الخارجي في حال الذّهاب إلى آخر الدّواء، تقول الأوساط نفسها: الخارج مشغول بأزماته، وعندما ننتخب رئيساً سيتعاملون معه وفق برنامجه وسياساته، ونحن من جهتنا منفتحون على كلّ الحلول الممكنة لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة، ولا نسألكم عليه أجراً إلّا عدم الطّعن في الظّهر!